جدل في مجلس مقاطعة الحي الحسني بسبب تخصيص 260 مليون سنتيم لكراء سيارات للأعضاء

أكد مصدر مطلع لموقع الميدان بريس أنه في كل دورة من دورات مجلس مقاطعة الحي الحسني، يتكرر المشهد ذاته: أرقام ضخمة تُدرج ضمن خانة النفقات، بينما الواقع اليومي للساكنة يسير في اتجاه معاكس تمامًا للشعارات المرفوعة حول “ترشيد المال العام” و”الحكامة الجيدة”.
وتابع المصدر “ففي مشروع ميزانية سنة 2026، على سبيل المثال، تم تخصيص اعتماد سنوي قار بقيمة 2.600.000,00 درهم تحت بند “كراء الآليات”، وهو مبلغ ضخم يُطرح بشأنه أكثر من سؤال، خاصة عندما يتضح أن هذا البند يُستعمل كغطاء لتوزيع امتيازات غير مبررة على بعض المنتخبين، من خلال كراء سيارات بمعدل 6000 درهم شهريًا لكل واحدة، توضع رهن إشارة أعضاء ليست لهم مهام تنفيذية أو ميدانية تُبرر هذا الامتياز.
واعتبرت مصادرنا هذا الأمر انحرافًا عن قواعد الشفافية ومحاولة لتقنين الريع المحلي بلغة إدارية مغلّفة، تتناقض مع المقتضيات القانونية الواضحة التي تحصر المهام الإدارية والتنقلات الرسمية في نطاق محدد جدًا، لا يشمل رؤساء اللجان أو نوابهم أو كاتبي المجلس.
ويُشير المصدر ذاته إلى أن التسمية التقنية “كراء الآليات” تخفي في الواقع ممارسة لا تمت للنجاعة الإدارية بصلة، حيث تتحول إلى وسيلة لتوفير سيارات خاصة لأشخاص ليست لهم أي صفة تنفيذية أو ارتباط مباشر بالمهام الميدانية، مما يُعد تجاوزًا صريحًا لمقتضيات القانون التنظيمي 113.14، وخاصة المادة 28 التي تحصر مهام رؤساء اللجان الدائمة في ترؤس الاجتماعات، تنسيق أعمال اللجنة، وإعداد التقارير، دون أن تمنحهم حق الاستفادة من وسائل نقل أو امتيازات لوجستيكية. كما تؤكد المادة 66 من نفس القانون على منع أي عضو من أعضاء المجلس، باستثناء الرئيس ونوابه، من ممارسة المهام الإدارية للجماعة أو التدخل خارج الأدوار التداولية داخل المجلس أو لجانه.
ورغم هذا الإطار القانوني الواضح، دافع رئيس مقاطعة الحي الحسني، خلال الدورة الاستثنائية المنعقدة يوم الخميس 17 يوليوز 2025، عن مشروعية هذا الإجراء، معتبرا أن المجلس لا يشتري السيارات بل يكتريها، وأن العقد لا يُحمّل الجماعة مصاريف الصيانة، بل وذهب أبعد من ذلك عندما أبدى عدم ممانعته في استعمال السيارات خارج أوقات العمل الرسمية. وهو تبرير وصفته مصادرنا بأنه لا يغيّر من جوهر الأمر شيئًا، بل يكرّس منطق الريع، ويحوّل بندًا تقنيًا إلى بوابة لتوزيع الامتيازات تحت غطاء “الإدارة”.
وفي الوقت الذي تُهدر فيه ملايين الدراهم في كراء السيارات، تعاني ساكنة الحي الحسني من أوضاع تنموية مقلقة، أبرزها هدم الأسواق النموذجية وتشريد مئات التجار دون توفير بدائل، إلى جانب تدهور البنية التحتية، ضعف الإنارة العمومية، وانعدام الفضاءات الرياضية والترفيهية. وهو ما يعكس خللاً واضحًا في ترتيب الأولويات، ويطرح تساؤلات حول مدى تطابق قرارات المجلس مع الحاجيات الفعلية للمواطنين، يضيف المصدر ذاته.
كل هذه المعطيات، يقول مصدرنا، تضع مجلس المقاطعة أمام مسؤوليات جسيمة، وتفتح الباب أمام دعوات متزايدة لمساءلة هذا النوع من التدبير، الذي يُهدد بثقافة تطبيع الريع وتحويل المؤسسات التمثيلية إلى أدوات لخدمة الامتيازات لا لخدمة الصالح العام. فالمال العام ليس مكافأة، والسيارات ليست غنيمة حزبية، والمجلس مسؤولية لا امتياز.
وتطالب فعاليات محلية، في ظل هذه التجاوزات المتكررة، بوقفة داخلية جادة من داخل المجلس لمراجعة هذه الممارسات، إلى جانب تدخل سلطات الرقابة الترابية والمؤسسات المكلفة بتتبع حسن التدبير. كما تدعو الساكنة إلى صحوة مجتمعية واسعة ترفض هذا الواقع، وتتصدى لأي محاولة لتقنين الفساد والريع تحت مسميات تقنية وإدارية مغلّفة.