تازة على صفيح ساخن انتخابيا: استقطابات تهدد بتفجير أحزاب وصراعات محلية تؤجج الكواليس

تعيش الساحة السياسية بإقليم تازة حالة من الغليان، على بعد شهور من موعد الانتخابات التشريعية المقبلة، وسط استقطابات محمومة، وصراعات داخلية قد تعصف بعدد من الأحزاب، في مشهد ينذر بتغيرات كبيرة في الخارطة الانتخابية المحلية.
وفي الوقت الذي دخلت فيه بعض الأحزاب مرحلة التحرك الميداني لاستقطاب الأعيان والأسماء المؤثرة انتخابيا، لا تزال أحزاب أخرى تعيش ارتباكا واضحا في تحديد مرشحيها، وسط صراعات تنظيمية داخلية.
ولم يحسم الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بعد في اسم مرشحه للانتخابات، وسط تنافس شديد بين عدة اسماء تروج في الكواليس. هذا التردد يعكس صراعا داخليا حول من يملك “الشرعية الميدانية” ومن يحظى بالدعم من القيادات الجهوية والمركزية، وسط حديث عن أسماء جديدة قد تلتحق بالحزب
من جهته، يبدو أن حزب الاستقلال حسم مبكرا في أمره، وينوي الحفاظ على مرشحه البرلماني الحالي منير شنتير، الذي يحظى بثقة القيادة ويعد من الوجوه المستقرة في تمثيل الحزب محليا.
أما حزب الأصالة والمعاصرة، فيمر من مرحلة دقيقة، بعد ابتعاد عبد الواحد المسعودي، الشخصية التي كانت تعتبر “ضمانة انتخابية” للحزب في الإقليم. ومع غيابه، دخل الحزب في مرحلة بحث محموم عن بديل قادر على الحفاظ على المقعد، حيث يبرز اسم عمر الخياري، رئيس نادي قدس تازة، الذي يحظى بدعم قوي من الوزير المهدي بنسعيد. كما طرح اسم رجل أعمال بارز ينشط في مجال العقار، مدعوم من صهره الذي يُعتبر من أعيان تازة، إلا أن مصادرنا تحفظت عن ذكر اسمه.
في الجهة المقابلة، يرجح بنسبة كبيرة جدا أن يحتفظ حزب التقدم والاشتراكية بالبرلماني الحالي أحمد العبادي، الذي تمكن من الحصول على مقعد برلماني في دائرة صعبة انتخابيا.
أما حزب التجمع الوطني للأحرار، فيعيش صراعا داخليا صامتا بين صقوره على المستوى المحلي، في وقت تشير فيه المعطيات إلى أن الحزب يتجه مبدئيا إلى الإبقاء على البرلماني الحالي خليل الصديقي، رغم تزايد التوترات الداخلية.
فيما يخص الحركة الشعبية، فيبدو أنها تُراهن بقوة على الاحتفاظ بمقعدها البرلماني في تازة. الحزب، الذي لم يحسم رسميا بعد في اسم مرشحه، يُبقي الباب مفتوحًا أمام استمرار عبد المجيد بن كمرة، الذي يشكل أحد أعمدة “الخزان الانتخابي” للحزب في الإقليم. وتشير مصادر مطلعة إلى أن المشاورات ما تزال جارية بين قادة الحزب محليا ووطنيا، بهدف التوصل إلى توافق داخلي يُجنب الحزب أي تصادم قد يضعف حضور الحركة في الاقتراع المقبل.
في المقابل، يعمل حزب العدالة والتنمية على لملمة جراحه التنظيمية بعد مرحلة من التراجع الحاد في الإقليم، خاصة عقب النتائج المخيبة في الانتخابات السابقة. وتزامنا مع عودة عبد الإله بنكيران إلى قيادة الحزب، بدأ التنظيم المحلي في تازة بإعادة ترتيب صفوفه، وعقد لقاءات مكثفة لإعادة بث الروح في هياكله.
ورغم أن حظوظ “المصباح” تبدو ضعيفة مقارنة بزمن صعوده السابق، إلا أن بعض المراقبين لا يستبعدون أن يُحدث الحزب مفاجأة انتخابية، خاصة إذا تمكن من تعبئة قواعده التقليدية، واستثمار حالة الاستياء الشعبي من مشهد “الترحال السياسي” والصراعات الحزبية الجارية.
وسط كل هذه التحركات، يرى متتبعون أن ما يحدث في تازة هو نموذج مصغر لأزمة الثقة التي تعيشها السياسة في عدد من الأقاليم، حيث طغى منطق المصالح الشخصية والولاءات العائلية، على منطق البرامج والرؤية التنموية.
في انتظار الحسم في التزكيات وتشكيل اللوائح النهائية، تبقى الكواليس هي من تصنع القرارات الحاسمة، في وقت يزداد فيه تذمر المواطن من مشهد يُشبه تبادل المقاعد، أكثر مما يُشبه منافسة ديمقراطية نزيهة.