“إسرائيل: رأس الحربة الاستعمارية في ثوب دولة ديمقراطية زائفة”

بقلم: الدكتور عبد الإله طلوع – باحث في العلوم السياسية وقضايا الشباب
في كل مرة ترتكب فيها إسرائيل عدوانًا جديدًا، أو تنتهك قرارًا من قرارات الشرعية الدولية، أو تهدم منزلًا في القدس، أو تغتال قائدًا في غزة، يتبدى لنا الوجه الحقيقي لهذا الكيان: ليس مجرد دولة تبحث عن “أمنها”، كما تزعم، بل أداة استعمارية متقدمة، رأس حربة لمنظومة إمبريالية عالمية تريد إبقاء الشعوب خاضعة، مسلوبة الإرادة، منهوبة الثروات.
إن من يقرأ التاريخ الحديث والراهن بعين بصيرة، لا تغرّه الشعارات، ولا تسكره الدعاية الإعلامية الغربية، يدرك أن إسرائيل ليست حالة شاذة، بل ضرورة استراتيجية ضمن بنيات الهيمنة الدولية، فمنذ زرعها ككيان في قلب المنطقة العربية، وهي تضطلع بدور وظيفي دقيق: تفتيت، تقسيم، تهديد دائم، إرباك لأي مشروع تحرري أو تنموي عربي، وزرع الشك في جدوى المقاومة والوحدة والسيادة.
منذ “وعد بلفور” إلى “صفقة القرن”، ومن “كامب ديفيد” إلى “اتفاقات إبراهام”، تمظهر التحالف بين القوى الرأسمالية الغربية وإسرائيل باعتباره تحالفًا عضويًا، إسرائيل في هذا السياق ليست دولة طبيعية، بل تمثّل رأس حربة للنيوليبرالية المتوحشة التي تحمي مصالح البلوتوقراطيات العالمية – أي طبقة الأثرياء المتحكمة في القرار السياسي والاقتصادي والإعلامي عالميًا، فكل عدوان على غزة، أو انتهاك للضفة، أو اقتحام للأقصى، يجد تبريرًا في صالونات واشنطن ولندن وباريس، تحت عناوين الأمن ومكافحة الإرهاب والدفاع عن النفس.
ولأن المنظومة الغربية لم تعد قادرة على تسويق استعمارها المباشر كما في السابق، فإنها اختارت إسرائيل لتكون وكيلتها – استعمار وكيل بالوكالة – يوفر لها ساحة للتجريب العسكري، ولترويج السلاح، ولابتزاز الأنظمة، بل حتى لتفريغ المنطقة من طاقاتها الثورية والشبابية عبر تصدير الأزمات والنزاعات.
إن المأساة ليست فقط في أفعال إسرائيل، بل في صمت العالم. في عجز الأمم المتحدة، في تواطؤ القوى الكبرى، في ازدواجية المعايير: كيف تُفرض العقوبات على دول تُتهم بانتهاك حقوق الإنسان، بينما تُحمى إسرائيل رغم جرائم الحرب اليومية؟ كيف يُحاكم القادة الأفارقة والروس، بينما يُفلت مجرمو الحرب من قادة الاحتلال من أي مساءلة أو محاسبة؟
ما تقوم به إسرائيل اليوم ليس سوى استمرار لمشروع استعماري لم ينتهِ، من لم يفهم هذه الحقيقة بعد، فهو لا يريد أن يفهم. فمشروع “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض” لم يكن مجرد كذبة استعمارية، بل هو أساس لسياسة الإبادة الرمزية والمادية التي تمارسها إسرائيل ضد الفلسطينيين، والهدف أعمق من مجرد الأرض: إنه تفكيك أي قدرة على الصمود العربي، وزرع الهزيمة في الوعي الجمعي، وتدجين النخب، وجعل أي تفكير في الاستقلال والتحرر يبدو كأنه جنون.
لكن رغم كل شيء، لا تزال الشعوب العربية تحتفظ ببوصلة الوعي، لا يزال في الشارع العربي من يرفض التطبيع، من يهتف لفلسطين، من يقرأ إسرائيل كما هي: مشروعٌ استعماري عنصري، لا يمكن التعايش معه إلا بالندية والمقاومة والصمود.
إن كشف الوجه الحقيقي لإسرائيل اليوم، هو أول خطوات استعادة الكرامة السياسية، لا بد من تفكيك أسطورة “الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط”، وتعريتها أمام العالم: إنها ديمقراطية لليهود فقط، قائمة على القتل والتمييز والتهجير والاحتلال، ومن يقف معها، شريك في الجريمة.
وحدها الشعوب الحرة، حين ترفع صوتها، قادرة على كسر هذا الصمت المريب.
أما إسرائيل، فرغم ترسانتها، تبقى في عمقها كيانًا خائفًا من الحقيقة، هشًا أمام المقاومة، وعاجزًا عن تبرير جرائمه إلا بالكذب وتزييف الوقائع، وهذه، في النهاية، ليست علامات قوة… بل علامات سقوطٍ قادم.