نوفل الناصري.. الخبير المغربي الذي يقرأ العالم من فوق صفيح السياسة الساخن

 

في رواق مجلس جهة الرباط سلا القنيطرة، وسط زحمة الكتب والعناوين، كان الحضور على موعد ليس فقط مع توقيع كتاب، بل مع رجل اختار أن يكتب بلغة الدول لا بلغة العواطف، وأن يقرأ المستقبل بميزان المصالح لا بوهج الشعارات.

الدكتور نوفل الناصري، باحث هادئ الملامح، خبير اقتصادي يعرف وزن الأرقام، وسياسي يتقن لعبة التوازنات.. رجل يحسن المشي بخفة بين حقلين متباينين: الجامعة حيث الحجاج بالحجة، والبرلمان حيث كان النقاش بالعناوين والمؤشرات والمقتضيات القانونية…

لم يكن كتابه الجديد، “مستقبل النظام الدولي في ظل التفاعلات الجيوستراتيجية الراهنة”، عملا علميا عابرا، بل محاولة جادة لفهم زمن مضطرب تتقاطع فيه الخطوط الكبرى للهيمنة، وتتعثر فيه أحلام الدول الصغيرة بين سندان واشنطن ومطرقة بكين.

في هذا الإصدار، الذي كشف عنه في سياق المعرض الدولي للكتاب بالرباط، الأسبوع الماضي، برواق مجلس جهة الرباط سلا القنيطرة، وبحضور وزراء سابقين وبرلمانيين ومنتخبين ورجال فكر وسياسة وإعلام، يضع الناصري يده على الجمر: تراجع الهيمنة الأمريكية، الصعود المتسارع للتنين الصيني، موقع روسيا في المشهد الدولي، ثم ذاك التوتر الزاحف من الشرق الأوسط إلى قلب أوروبا، مرورا بجائحة كشفت هشاشة النظام العالمي أكثر من أي وقت مضى.

لكن الناصري لا يكتفي بتوصيف المشهد، بل يسائل المستقبل: كيف ستتشكل موازين القوة؟ هل نحن أمام عالم متعدد الأقطاب أم فوضى مستدامة؟ وما هو موقع المغرب في خريطة تعاد كتابتها من جديد؟

الذين يعرفونه عن قرب، يدركون أن الناصري لا يكتب ليُبهر بل ليقلق.. ولا لينال تصفيقا بل ليطرح أسئلة موجعة على الدولة والمجتمع معا.. إنه ذلك المثقف الذي لا يتورط في الشعبوية ولا يغرق في التنظير المعزول.. هو باحث مخضرم ميدانه الاقتصاد وهندسة التكنولوجيا والجيوسياسة، وسلاحه الأرقام والمعادلات والمعرفة الواسعة في مختلف الحقول فما بالك بالتخصصص!.. وقلقه الأمل في مغرب يعرف أين يضع قدمه في عالم يتغير بلا إنذار.

إنه خبير اقتصادي يزن المواقف كما توزن الميزانيات، وسياسي يحاور ويقنع دون أن يصرخ، ويقترح دون طمع أو مزايدة أو مساومة.. وفي توقيع كتابه الجديد، بدا وكأنه يقول: “آن الأوان لقراءة العالم لا فقط لترديد ما يُقال عنه”.

هكذا هو نوفل الناصري… لا تشده الأضواء، لكنه حين يتكلم ينصت له من يعرف الفرق بين الكلام العابر والتحليل المؤسس.. إنه رجل لا يصطاد الفرص بل يصنعها على مهل، لأنه يدرك أن المكانة الحقيقية تُبنى لا تُوهب.

ففي زمن صار فيه المثقف مجرد “صوت إضافي” على الشاشات وأمام الكاميرات، يصر الدكتور نوفل الناصري على أن يعود بدور النخبة إلى مكانها الطبيعي: في مقدمة القافلة، لا في ذيلها!

 

 

مقالات ذات صلة