خبير لـ”الميدان”: زيارة رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي إلى العيون تشكل منعطفًا حاسمًا في العلاقات المغربية-الفرنسية

أكد الخبير في العلاقات الدولية هشام معتضد أن زيارة رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي، جيرار لارشيه، إلى مدينة العيون تشكل منعطفًا حاسمًا في العلاقات المغربية-الفرنسية، إذ تعكس إرادة سياسية واضحة لترجمة الموقف الفرنسي إلى خطوات ملموسة تتجاوز نطاق التصريحات الدبلوماسية، يضيف معتضد.
وأوضح معتضد أن حضور شخصية بمكانة لارشيه، باعتباره أحد أعمدة القرار السياسي في فرنسا، يعطي للزيارة بعدًا مؤسساتيًا يُرسّخ دعم باريس المتزايد للوحدة الترابية للمملكة المغربية، ويمثل إشارة قوية إلى أن التحول في السياسة الفرنسية تجاه قضية الصحراء ليس مجرد تكتيك ظرفي، بل خيار استراتيجي طويل الأمد.
وتابع قائلا “هذه الزيارة تكتسب وزنًا إضافيًا في ضوء السياق الإقليمي المتوتر، إذ تأتي في لحظة حساسة تُعيد فيها القوى الكبرى تقييم تحالفاتها في شمال إفريقيا. اختيار فرنسا تعزيز انخراطها في الأقاليم الجنوبية يعكس إدراكًا عميقًا لأهمية المغرب كركيزة للاستقرار الإقليمي، وقوة صاعدة في ربط أوروبا بإفريقيا. الحضور الرسمي في العيون، كبرى مدن الصحراء، يُعد رسالة مباشرة إلى خصوم الوحدة الترابية للمغرب، مفادها أن الموقف الفرنسي بات أكثر وضوحًا وحسمًا، وأن باريس مستعدة لتحمل تبعات هذا التحول على مستوى توازناتها الإقليمية”.
ومضى يقول “على المستوى الأوروبي، يُنتظر أن يُسهم هذا التحرك في إعادة تشكيل موقف الاتحاد الأوروبي من النزاع. فرنسا، باعتبارها قوة محورية داخل المنظومة الأوروبية، قادرة على إحداث دينامية جديدة تدفع المزيد من الدول إلى الاصطفاف خلف مبادرة الحكم الذاتي التي تُطرح كحل وحيد واقعي ومستدام. في هذا السياق، قد تتحول باريس إلى حلقة وصل بين الرباط وبروكسل، تسهم في تسريع عملية مواءمة المواقف الأوروبية مع التحولات الجيوسياسية المتسارعة في المنطقة”.
وشدد معتضدد، في تصريح خص به الميدان بريس، أن البُعد الاقتصادي للزيارة لا يقل أهمية عن بعدها السياسي. تعزيز الوجود الفرنسي في الأقاليم الجنوبية يفتح المجال لتطوير مشاريع تنموية كبرى، لا سيما في القطاعات الاستراتيجية مثل الطاقات المتجددة، البنية التحتية، والصيد البحري. هذا الانخراط الاقتصادي يمكن أن يُحوّل العيون وباقي مدن الصحراء إلى منصة تعاون إفريقي-أوروبي، ويُعزز موقع المغرب كمركز إقليمي للتكامل الاقتصادي.
واشار الخبير في العلاقات الدولية إلى أن الرهانات الأمنية تظل كذلك جزءًا أساسيًا من هذا التقارب المتزايد. فرنسا، التي تواجه تحديات أمنية متزايدة في منطقة الساحل والصحراء، تدرك أن المغرب يمثل شريكًا محوريًا في الحفاظ على الاستقرار الإقليمي. تعزيز العلاقات مع الرباط في هذا السياق يُترجم إلى تعاون أوثق في مجال مكافحة الإرهاب، مراقبة الحدود، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، ما يعكس بُعدًا استراتيجيًا يتجاوز الإطار الثنائي ليشمل الأمن الأوروبي برمته.
زاد قائلا “على الصعيد الداخلي الفرنسي، يُمكن قراءة الزيارة أيضًا في سياق إعادة ترتيب العلاقات مع الجالية المغربية الواسعة في فرنسا، التي تتابع عن كثب مواقف باريس من القضايا السيادية المغربية. تعزيز هذا التقارب قد يُسهم في ترميم العلاقة مع هذه الجالية، وامتصاص التوترات التي ظهرت في فترات سابقة بسبب تذبذب الموقف الفرنسي من قضية الصحراء”.
وختم معتضد تصريحه قائلا”أعتقد أن زيارة رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي إلى العيون تتجاوز البُعد الرمزي، لتُشكل محطة فارقة في مسار تطور العلاقات المغربية-الفرنسية. هذا الحراك، الذي يجمع بين الدبلوماسية والسياسة والاقتصاد والأمن، يُشير إلى أن فرنسا بصدد إعادة بناء شراكتها مع المغرب على أسس أكثر وضوحًا وثباتًا، ما يُعزز موقع الرباط كقوة إقليمية صاعدة، ويفتح آفاقًا جديدة لترسيخ مغربية الصحراء على الساحة الدولية بشكل نهائي ولا رجعة فيه”.