بوعيدة يكتب.. حين يقلب السردين كل الموازين

أحب السردين ليس من باب التباهي لكن لأنه هو الوحيد الذي يوافق معدتي من بين كل الأصناف الغالية الثمن.

أتذكر حين استضافني شخص من علية القوم وأنا رئيس جهة، قدم لي كل أصناف السمك التي لم تراها عيني قط..

وأنا البدوي الذي لا يعرف سوى لحم الإبل، لايدرك الرجل أن الحوت الغالي الثمن وخصوصاً الأبيض منه ترفضه معدتي وإذا ماتناولته يسبب لي الإسهال..

السردين وحده من لايفعل ذلك بمعدتي وكأنه يدرك أن انتماءنا واحد، معدتي هي الأخرى كانت ترفض ذلك، لاترتاح إلا في الأكل الشعبي.

اليوم ذاك السردين عاد ليؤسس لمرحلة فاصلة بين الوهم والحقيقة، فمن الطبيعي أن نرى السردين يحرك مياه السياسة الراكدة، فهو يدرك جيداً أنه ضحية..

السردين يحب الفقراء، كان دائما معهم بدرهم وأحيانا بدرهمين، هو نفسه يتساءل لماذا لم يعد يتضامن مع الشعب؟ لماذا يقفز طبقيا دون أن يسأله أحد؟

شاب فقط من الشعب أعاده للشعب، ليس قراراً حكومياً ولا قراراً من وزير الصيد البحري الذي حّمل الشتاء مسؤولية ندرة السردين.. هي فقط مغامرة لشاب يعيش في مدينة بلا بحر ولانهر ولكن تبيع السردين بثمن مناسب..

مراكش مدينة بحجم عالم تخلق “البوز”، وشاب مهما اختلفت التحليلات فضح..

فضح الحكومة والشناقة والوسطاء، فضح كل شي حتى ولو بحسن نية أو بسوءها..

لنا بدل البحر بحرين، لكن للأسف هناك من لايريد للسردين أن يصلنا سالماً، لن نتحدث عن نوع آخر هو حلم فقط، نحن نعيش بالسردين والدجاج وكثير من الصبر..

والحكومة مثلنا تماماً تشتكي من الوسطاء والشناقة وتحدد الأرقام ولكنها لا تعرف أين هم!!!

تريدنا نحن الضعفاء أن ندلها عليهم، مفارقه غربية أن تقود الحكومة وان تعارض وتشتكي في الآن ذاته، هي دروس في علم السياسة لاتوجد إلا عندنا..

والي مراكش الذي استقبل الشاب استجاب لنبض الناس في وقت غابت فيه الحكومة، ونحن نعرف جميعاً من يستغل البحر والمحروقات وأجيالاً من المخططات..

كان على الحكومة أن تخرج للحديث عن ما وقع، كيف لا وهي حكومة الكفاءات التي تعرف وتفهم كل شيء..

لكنها صمتت كالعادة، وتحرك العقلاء في البلد، لذا على الحكومة أن تدرك أنها لم يعد مرغوب فيها، وحينما أقول الحكومة أقصد الائتلاف الحزبي..

هم فقط من صمتوا وفي نفس الوقت من وزعوا واحتكروا اللحوم والدجاج والمحروقات وكل شي..

وحده السردين من كانت له القدرة على الفضح، لا البرلمان، لا النقابات، ولا الإعلام..

إنه السردين من يصنع الحدث، رحم الله المهدي المنجرة والجابري وكل الفلاسفة والمثقفين، لو عاشو لعشقو “السردين”.

د.عبد الرحيم بوعيدة
استاذ جامعي

مقالات ذات صلة