مقترح الحكم الذاتي المغربي بين التحول البنيوي وضغوطات التوضيح: قراءة في تصور الباحث سيد أحمد الشرادي

يشكل مقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب سنة 2007 لحل نزاع الصحراء محطة أساسية في مسار البحث عن تسوية سياسية عادلة ومستدامة لهذا النزاع الإقليمي. فقد جاء هذا المقترح في سياق إقليمي ودولي متغير، استجابة للنداءات المتكررة لمجلس الأمن بضرورة تجاوز حالة الجمود التي طبعت المسار الأممي منذ نهاية التسعينيات. وانطلاقًا من تحليل دقيق لمضامين هذه المبادرة، يقدم الدكتور سيد أحمد الشرادي قراءة مركبة تجمع بين استحضار التحولات البنيوية التي تقترحها المبادرة، ورصد التحديات التي واجهت تفعيلها بفعل الضغوطات الدولية المطالبة بمزيد من التوضيح والضمانات.

يسعى هذا المقال إلى إبراز الأبعاد الرئيسية لهذه القراءة، مركزًا على رهانات الانتقال من الدولة المركزية إلى الدولة الجهوية، ودينامية التفاعل مع الضغوط الدولية في أفق تكييف المبادرة مع التطورات المؤسسية والدستورية التي شهدها المغرب خلال العقدين الأخيرين.

ـ مقترح الحكم الذاتي: من المقاربة الأمنية إلى التدبير الجهوي الديمقراطي:

ينطلق الدكتور سيد أحمد الشرادي من تحليل نص “المبادرة المغربية بشأن التفاوض لتخويل الصحراء حكما ذاتيا”، باعتبارها وثيقة تتداخل فيها مرجعيتان أساسيتان: المرجعية الوطنية التي تقوم على تأكيد السيادة الوطنية والوحدة الترابية للمغرب، والمرجعية الدولية التي تعبر عن انخراط المغرب في التفاعل مع جهود الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لإيجاد حل سياسي تفاوضي للنزاع.
وقد جاءت المبادرة استجابة لنداءات مجلس الأمن الدولي المتكررة منذ سنة 2004، بضرورة تجاوز حالة الجمود (“اللاحل”) التي خيمت على النزاع، حيث عرض المغرب حلاً عمليًا وسلميًا يقوم على مبدأ الحكم الذاتي في إطار السيادة المغربية، مما يجعلها تتماشى مع المعايير الدولية الحديثة للحلول السياسية للنزاعات الترابية.
وتقترح المبادرة تحولات بنيوية عميقة، أبرزها التحول من دولة مركزية إلى دولة الجهات، بتجاوز النموذج “اليعقوبي” المركزي نحو نموذج ديمقراطي قائم على التدبير الجهوي، مع تحديد دقيق لاختصاصات المركز والجهة (وفق المواد 12 و14 من نص المبادرة). كما تقطع مع المقاربة الأمنية التقليدية، معتبرة الصحراء مجالًا للحقوق والحريات، وتعزز الشرعية الديمقراطية عبر انتخاب الهيئات المحلية بدل اعتماد منطق التعيين القائم على الولاءات القبلية أو الشرعية التاريخية.
وتبرز المبادرة توجهًا نحو مصالحة النخب الصحراوية، باستيعاب العناصر الموالية للانفصال عبر آليات العفو العام، نزع السلاح، وإعادة الإدماج. وتفتح، في ذات السياق، المجال لإعادة تعريف العلاقة بين المركز والجهة، وتؤسس لشرعيات جديدة مبنية على الديمقراطية التمثيلية بدل البيعة التقليدية، داعية النخب المحلية إلى الانتقال من دور الوساطة إلى دور تدبير الشأن المحلي بشكل فعلي.

-التقدير الدولي وضغوط التوضيح: تحديات تفعيل مبادرة الحكم الذاتي:

يرصد الشرادي التحول في نظرة المجتمع الدولي إلى المبادرة المغربية، خاصة منذ سنة 2007 حين وصفها مجلس الأمن الدولي، من خلال قراره رقم 1754، بأنها “جادة وذات مصداقية”. وقد كان وراء هذا التقدير الدولي عدة أسباب، من أبرزها أن المبادرة تقدم حلًا وسطًا يتيح لسكان الصحراء تسيير شؤونهم ذاتيًا مع الحفاظ على رموز السيادة المغربية، إلى جانب التطور الديمقراطي الذي عرفه المغرب خلال العقد الأول من الألفية الثالثة، بما في ذلك الإصلاحات الدستورية والتقدم في مجال حقوق الإنسان. كما ساهم في ذلك أيضًا تراجع جاذبية جبهة البوليساريو بسبب الأزمات الداخلية، انسداد الآفاق، وتقلص الدعم الخارجي.

غير أن هذا التقدير الدولي صاحبه نوع من الضغوطات، خاصة من خلال تقارير الأمين العام للأمم المتحدة، حيث طُلب من المغرب تقديم مزيد من التفاصيل بخصوص كيفية تفعيل الحكم الذاتي، مثل توزيع الاختصاصات بين المركز والجهة، آليات حماية الحقوق والحريات محليًا، وضمانات التمثيلية الديمقراطية.

ورغم هذه الضغوطات، تبنت الرباط موقفًا تحفظيًا، معتبرة أن تقديم تفاصيل إضافية يجب أن يتم ضمن المسار التفاوضي، وأن المبادرة تشكل أرضية أولية وليست نصًا نهائيًا. ومع ذلك، يلاحظ الشرادي أن المعطيات الدستورية الجديدة، خاصة بعد دستور 2011 والقوانين التنظيمية للجماعات الترابية، قد وفرت بيئة مؤسساتية أكثر ملاءمة لتوسيع تفاصيل مقترح الحكم الذاتي، خصوصًا مع بروز مجالس جهوية منتخبة ديمقراطيًا.

وفي هذا الإطار، يشير الشرادي إلى أن الترسانة القانونية الجديدة وسعت من صلاحيات الجهات، مما يجعل نموذج الحكم الذاتي أكثر قابلية للتنزيل بشكل عملي ومتطور مقارنة مع الفترة التي تم فيها تقديم المبادرة سنة 2007.
إن مقترح الحكم الذاتي المغربي، كما يحلله الدكتور سيد أحمد الشرادي، يمثل نقلة نوعية من المقاربة الأمنية إلى مقاربة ديمقراطية حقوقية، ومن منطق السيطرة المركزية إلى منطق التدبير الجهوي التشاركي، مع المحافظة على وحدة الدولة وسيادتها. غير أن التحدي الأكبر يظل مطروحًا في كيفية بلورة تفاصيل إضافية لهذا المقترح دون التفريط في ثوابته الجوهرية، مع الحرص على تهيئة الأطر المؤسساتية لاستيعاب متغيرات المرحلة المقبلة، خاصة أمام الضغوط الدولية المتزايدة.

إبراهيم البعمراني.

مقالات ذات صلة