بين تقييد الإضراب وتكثيف الاستغلال
يدفع المهاجمون للصمود النقابي والمطبلون لتكثيف استغلال الطبقة العاملة، بالقول أن العمل النقابي فقد مصداقيته، ودليلهم في ذلك، النسبة الضعيفة للمنخرطين في النقابات.
إلا أن حقيقة الأمور ، التي يحاولون طمسها، هو أن عدم الانتساب للنقابات ولا سيما المناضلة والصامدة منها، يعود بالأساس لغياب الضمانات والحماية في ممارسة العمل النقابي، وتعدد وتنوع أشكال التضييق والعنف والترهيب الممارس على المسؤولين والممثلين النقابين، وفي بعض الأحيان حتى على المنخرطين والمنخرطات ، حتى لأول مرة في النقابة.
باعتبار النقابة وحسب ما تنص المواثيق الدولية التي تسمو على الدستور حسب ما جاء في ديباجته، آلية ووسيلة لتجميع قوى العمال في القطاع الخاص أو الموظفين في القطاع العام، بغاية خلق السلطة المضادة ، للمطالبة بتحسين أوضاعهم المادية والاجتماعية والمهنية، فإن الدفاع على مصالح الأجراء والموظفين، قد يتجاوز النضال من أجل تحسين الوضع المعيشي، الى حدود مناهضة السياسات التي تسبب العوز والهشاشة وضيق العيش، ولذلك فالأإضىراب أو الاحتجاج بالامتناع عن العمل، يهدف في العمق لمناهضة السياسات اللاجتماعية والسياسات التفقيرية التي تسنها الحكومة (العمق الممنوع في قانون الإضراب).
إن استعجال الحكومة وإصرارها، على المصادقة على القانون التنظيمي للإضراب والتنكر لالتزام التفاوض في الحوار الاجتماعي ، لا يمكن تبريره، سوى بطبيعة الحكومة الحالية، التي جاءت من وسط رجال الأعمال وأصحاب المال، الذين يتبين بأنهم يسيطرون على مفاصل الدولة ويشرعون اليوم لكل ما يخدم مصالحهم ويزيد في اتجاه المزيد من الضبط والتحكم في المشهد السياسي وفتح الطريق أمام المزيد من الاختلالات المجتمعية، التي تهدد في العمق، الاستقرار الاجتماعي في البلاد، لينضاف لعدم الاستقرار واللايقين الدولي والاقليمي.
لقد اتضح للجميع اليوم، بأن هناك اختلال مهول لموازين القوى في المجتمع، لدرجة أن الجميع يسعى ويتهافت للاصطفاف مع الحكومة ، بشكل صريح (بالعلالي) أو ضمني (من تحت الطابلة) ، فيما لم يبقى في صف المعارضة الحقيقية سوى بعض الاطارات والتنظيمات، التي تتعرض للمحاصرة من المخزن ومن يدور في فلكه، ومن جهة أخرى من التشويش والشيطنة من طرف الواعين أو الجاهلين بذلك .
وبمناسبة المناقشات حول القانون التنظيمي للإضراب، الذي تجنبته كل الحكومات منذ الاستقلال، فقد تعرى كل اللاعبين بين المنزلتين، ولم يبقى في الساحة سوى النازلون لميادين الاحتجاجات، وما دون الاحتجاج ، فإن الحكومة ومعها أغلبيتها المكتسبة من بعد ماسي الكورونا، ماضية وبكل إصرار في ممارسة استبدادها، وعازمة على ارتكاب المجزرة في حق الحريات النقابية من خلال تمرير قانون الإضراب وذلك رغم الزعم بالاستعداد لتقديم التعديلات، إلا الجوهرية منها.
وفي الأخير ، وجب التنبيه ، بأن مصادقة البرلمانيين برفع اليد على تمرير قانون الإضراب ، لن يزيد سوى في تسريع ورفع منسوب الاحتقان ، بسبب ما يترتب عنه بمزيد من خنق الحريات وفتح الابواب على مصراعيه لمزيد من الاستغلال والاستعباد والتشجيع على التهام الحقوق الأساسية للعمال، وهو دليل أخر على سقوط شعار الدولة الاجتماعية.
الحسين اليماني الكاتب العام للكونفدرالية الديمقراطية للشغل بالمحمدية