بنسعيد: إعلام المستقبل يحتاج مجلسا قويا وتنظيما ذاتيا مستقلا

أكد محمد المهدي بنسعيد، وزير الشباب والثقافة والتواصل، خلال كلمته في أشغال اليوم الدراسي حول مشروع قانون إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة، المنعقد يوم الاثنين 13 أكتوبر 2025 بمجلس المستشارين، أن المغرب يعيش اليوم لحظة ديمقراطية بامتياز، حيث تمارس المؤسسة التشريعية دورها الدستوري والسياسي في نقاش تشاركي يهم مستقبل تنظيم قطاع الصحافة بالمملكة.
وأوضح الوزير أن مشروع القانون المعروض اليوم هو ثمرة تجربة أولى للمجلس الوطني للصحافة، أبرزت الحاجة إلى تحيين الإطار القانوني، بعد أن أظهرت التجربة السابقة بعض النواقص التي استدعت مراجعة شاملة، انطلقت منذ سنة 2021، وتمت ترجمتها إلى مشروع قانون صادق عليه مجلس النواب، ويخضع حالياً للدراسة داخل مجلس المستشارين.
وشدد بنسعيد على أن تنظيم قطاع الصحافة والإعلام يُعدّ ركيزة أساسية لأي مجتمع ديمقراطي حديث، مبرزاً أن الرهان اليوم هو تحقيق التوازن بين حرية الصحافة والتنظيم الذاتي للمهنة، مع التأكيد على أن هذا التنظيم لا يعني تدخل الحكومة، بل هو تجسيد لفلسفة دستورية نص عليها الفصل 28، وهي أن تدبر المهنة شؤونها باستقلالية تامة.
وأشار الوزير إلى أن الهدف من مشروع القانون هو تعزيز الثقة بين المواطن ووسائل الإعلام، من خلال تمكين المجلس الوطني من صلاحيات أوضح وأكثر فعالية، بما يسمح له بالقيام بدوره كاملاً في تأطير المهنة، معالجة الشكايات، ضمان الشفافية في منح البطائق المهنية، وتوفير بيئة مهنية تحترم الأخلاقيات وتحارب الأخبار الزائفة.
كما أكد بنسعيد على ضرورة مواكبة التحولات الرقمية، مشيراً إلى أن المشهد الإعلامي لم يعد محصوراً في المنصات التقليدية، بل أصبح الفضاء الرقمي هو المجال الرئيسي للتداول الإخباري، مما يفرض أخذ واقع المقاولات الصحفية الرقمية وتحديات الذكاء الاصطناعي بعين الاعتبار.
وفي السياق ذاته، اعتبر الوزير أن النموذج الاقتصادي للمقاولة الصحفية جزء أساسي من النقاش، إذ لا يمكن تحقيق استقلالية الصحفي دون مقاولة قوية وذات موارد مستدامة، مضيفاً أن التنظيم الذاتي يجب أن يكون وسيلة لحماية الصحافة الجادة من المنافسة غير الشريفة، وتحصين المهنة من التطفل.
ولم يغفل الوزير أهمية تأهيل الموارد البشرية، إذ دعا إلى إرساء معايير للتكوين المستمر بشراكة مع الجامعات والمعاهد المختصة، لمواكبة التحولات التقنية وضمان كفاءة مهنية عالية للصحفيين.
وأشار بنسعيد إلى أن إعداد مشروع القانون تم بناءً على تصور قدمته اللجنة المؤقتة للمجلس الوطني للصحافة، التي قادت المشاورات بمعزل عن الحكومة، ما يعكس احترام مبدأ التنظيم الذاتي، ويُعدّ سابقة مقارنة مع التجارب السابقة، حيث لم يكن للمهنة هيئة منظمة قانونياً قبل ذلك.
وقال الوزير إن مشروع القانون الجديد لا يكتفي فقط بتصحيح الاختلالات القانونية، بل يجيب عن سؤال محوري: ما هو الدور الحقيقي للمجلس الوطني للصحافة؟، مجدداً التأكيد على أن الهدف هو إرساء إعلام وطني قوي، مسؤول، ومهني، يستشرف تحديات المستقبل في أفق 2030، من بينها ضمان السيادة الإعلامية الوطنية.
وأضاف أن المشروع يستند إلى المبادئ الجوهرية لفلسفة التنظيم الذاتي، أي “الحرية والمسؤولية”، لافتاً إلى أن كل دولة تختار نمطها الخاص للتنظيم الذاتي، لكن الأساس في التجربة المغربية هو احترام رأي المهنيين وعدم تدخل الحكومة في صياغة التصورات، بل الاكتفاء بتحويلها إلى نصوص قانونية.
وفي ختام كلمته، اعتبر الوزير أن هذا اليوم الدراسي يمثل فرصة ثمينة لمختلف الفاعلين والفرقاء السياسيين والمهنيين لتقديم آراء نقدية بناءة، تغني النقاش حول نص قانوني يوازن بين حقوق الصحافي وواجباته، داعياً إلى الابتعاد عن “المزايدات السياسوية”، ومجدداً التزام الحكومة بالتفاعل الإيجابي مع مختلف المقترحات.
وختم بنسعيد بتجديد شكره لرئيس مجلس المستشارين، ولرئيس وأعضاء اللجنة المعنية، وكذا لجميع الفرق البرلمانية، أغلبية ومعارضة، مشدداً على أن الحكومة “ليست سوى أداة لوضع الإطار القانوني، في حين أن التدبير اليومي والمهني للمهنة يجب أن يظل بيد الصحافيين أنفسهم، في استقلالية وتنظيم ذاتي كامل”.