الميركاتو الانتخابي.. موسم الترحال السياسي يبدأ مبكراً!

على بعد سنة كاملة من موعد الاستحقاقات التشريعية، بدأت حرارة الانتخابات ترتفع باكراً، ليس على مستوى البرامج ولا النقاشات العمومية، بل على إيقاع “الميركاتو الانتخابي”، حيث عاد الترحال السياسي ليُشغل الساحة، ويعري من جديد أزمة الانتماء السياسي في بلادنا.

فبعض المنتخبين والمسؤولين المحليين، بمجرد ما شعروا باقتراب لحظة الحسم، شرعوا في تبديل مواقعهم، كأن السياسة أصبحت سوقاً للمضاربة، لا مجالاً للتعبير عن القناعات والالتزام بالمواقف. أسماء تُغادر أحزابها بلا تبرير، وأخرى تتودد إلى تنظيمات جديدة على أمل “تأشيرة العبور” نحو البرلمان.

هذا السلوك المتكرر، وإن حاول البعض تبريره بضعف الديمقراطية الداخلية أو بالإقصاء، فهو في العمق يعكس أزمة أخلاقية عميقة تعاني منها الأحزاب السياسية، ويطرح علامات استفهام كبرى حول مدى صدق الشعارات التي تُرفع، و”الالتزامات” التي تُسوّق للمواطنين.

إن الترحال السياسي، حين يتحول إلى ظاهرة موسمية، يفقد الأحزاب معناها، ويحوّل المرشحين إلى تجار فرص، ويزيد من تفكك جسور الثقة بين المواطن والسياسة. والأسوأ من ذلك، أن هذا العبث الحزبي يتم في ظل صمت القوانين، وتواطؤ بعض القيادات التي تغلّب منطق الربح الانتخابي على منطق المصداقية السياسية.

من هنا تبرز الحاجة إلى مراجعة جذرية للإطار القانوني، تقوم على وضع قيود واضحة تمنع أي منتخب أو مسؤول من الترشح باسم حزب آخر إلا بعد مرور ثلاث سنوات على الأقل من مغادرته الحزب الأول، باستثناء حالات الإقالة أو الطرد. فمثل هذا الإجراء سيُعيد الاعتبار للالتزام الحزبي، ويحد من منطق “الميركاتو السياسي” الذي يضرب في العمق مصداقية المؤسسات.

ما أحوجنا اليوم إلى تطهير الحقل السياسي من هذا العبث الموسمي، وربط المسؤولية بالمحاسبة، والانتماء السياسي بالالتزام الأخلاقي. فبدون ذلك، سنظل ندور في نفس الحلقة المفرغة، حيث يتغير الأشخاص، لكن تبقى الأزمة على حالها.

بقلم : عبد الرحيم مستاوي

 

مقالات ذات صلة