من مكناس إلى كل الجهات.. دعوة وطنية لحماية التمريض وتأهيله في زمن الرقمنة

في إطار أنشطتها التكوينية والعلمية، نظّمت النقابة المستقلة للممرضين – المكتب الجهوي فاس-مكناس – يوماً دراسياً مميزاً يوم الجمعة 27 ماي 2025، بالمعهد العالي للمهن التمريضية وتقنيات الصحة، تحت عنوان: “علوم التمريض بين واجب العناية والتحديات القانونية، السوسيولوجية والتكنولوجية”. وقد حضر هذا اللقاء أكثر من 120 مشاركاً ومشاركة، إلى جانب نخبة من الأساتذة والخبراء المختصين في القانون، علم الاجتماع، علوم التمريض، والمعلوميات.

تميزت الجلسة الافتتاحية بعرض مستجدات وتوصيات المجلس الدولي للتمريض لسنة 2025، والتي أكدت أن مهنة التمريض تعيش تحوّلات عميقة، حيث تزايدت التحديات وتعاظمت المسؤوليات، مما جعل من التمريض محوراً أساسياً في أي مشروع تنموي اجتماعي، اقتصادي وصحي. ولم يعد التمريض مجرد وظيفة تقنية، بل بات رافعة إنسانية وتنموية تتطلب تكويناً عالياً وتأهيلاً مستمراً. وقد تم التذكير بالتعريف الجديد للمهنة، الذي يرى في التمريض مهنة مكرّسة لضمان الحق في أعلى مستوى ممكن من الصحة، من خلال رعاية شاملة، آمنة، علمية، متمركزة حول الإنسان، ومبنية على التعاطف، العدالة الاجتماعية، والعلاقة العلاجية المتبادلة. كما تم التأكيد على أن الممرض المغربي اليوم هو مهني مؤهَّل، قانوني، يمارس مهامه باستقلالية ومسؤولية، ويتنقل بين أدوار الوقاية والعلاج والتأهيل والرعاية التلطيفية، وهو الرفيق الصامت للألم، والسند اليومي للأمل.

شهد اليوم الدراسي نقاشاً موسّعاً ومعمقاً حول ثلاث زوايا رئيسية تخص الممارسة التمريضية. تم أولاً التطرق إلى الإطار القانوني المنظم للمهنة، حيث عبّر المشاركون عن قلقهم إزاء الفراغ التشريعي والقصور القانوني الذي يطبع واقع الممرضين وتقنيي الصحة. وأكدت المداخلات الحاجة إلى ترسانة قانونية متكاملة، تتضمن مراسيم تنظيمية واضحة، مصنّفاً للمهام والأعمال، وهيئة وطنية تُمثّل المهنيين وتدافع عن حقوقهم. وقد تقاسم الحاضرون تجاربهم المهنية التي عكست هشاشة الوضع القانوني الحالي، مما جعل الجميع يتفق على أن حماية الممرض قانونياً هو في جوهره حماية لحقوق المواطن وضمان لجودة الرعاية الصحية. كما شدد المشاركون على ضرورة صياغة ميثاق صحي وطني، وتفعيل آليات الترافع المؤسساتي والانفتاح على الفاعلين في مجالي القضاء والسياسة، قصد التسريع بإصدار القوانين الكفيلة بتنظيم المهنة.

من جهة ثانية، ناقش المشاركون البعد السوسيولوجي للمهنة، حيث تم التوقف عند طبيعة العلاقة المتغيرة بين الممرض والمريض في ظل التحولات الاجتماعية والثقافية، وتم التأكيد على أن التمريض ليس خدمة طبية فحسب، بل هو رسالة إنسانية قائمة على الأخلاق والمرافقة والدعم النفسي والاجتماعي. كما تم التشديد على ضرورة الاعتراف الحقيقي بدور الممرضين كمكوّن أساسي في استقرار المنظومة الصحية ونجاح ورش الحماية الاجتماعية، وذلك بتحفيزهم، وتوفير بيئة عمل تليق بحجم تضحياتهم اليومية.

أما الجانب التكنولوجي، فقد ركّز على ضرورة مسايرة المهنة للتطور الرقمي والذكاء الاصطناعي، من خلال مراجعة شاملة للبرامج التكوينية، وتحديث المناهج البيداغوجية بما يضمن إدماج تقنيات المعلوميات الصحية، وتحفيز البحث العلمي في التمريض، وفتح تخصصات جديدة في العلاجات المتقدمة. وقد أجمع المتدخلون على أن الاستثمار في التكوين المهني والرقمي، ضرورة لا بد منها للارتقاء بجودة الخدمات التمريضية ومواكبة التغيرات المتسارعة التي يشهدها قطاع الصحة على الصعيدين الوطني والدولي.

في ختام هذا اليوم الدراسي، خرج المشاركون بمجموعة من التوصيات الأساسية، أبرزها: إصلاح وتحديث مناهج التعليم التمريضي، إشراك الممرضين في اتخاذ القرار الصحي، وضع استراتيجيات وطنية لحماية المهنة والعاملين بها، تخصيص ميزانيات كافية للبنية التحتية التمريضية، والعمل العاجل على إحداث هيئة وطنية للممرضين ومصنّف مهني شامل يحدد الأدوار والمسؤوليات بوضوح. وتم التأكيد على أن التمريض ليس مجرد مهنة، بل هو تعبير إنساني راقٍ عن الرحمة والكرامة، واستجابة حية لاحتياجات الإنسان في لحظات ضعفه وألمه. لذلك، فإن الاعتراف الحقيقي بالممرض كمحور في التنمية الصحية، يمر عبر تقوية الإطار القانوني والمهني والتكويني، وإرساء منظومة صحية عادلة وقوية يكون التمريض فيها قوة فاعلة، مستقلة، ومنسجمة.

مقالات ذات صلة