شفيق يكتب.. “الكانيباليزم الضريبي”

 

هذا التوصيف “القاسي ربما ” ليس من عاداتنا، ولكنه النعت الذي أطلقه أحد الأساتذة الجامعيين على مشروع قانون المالية لسنة 2024 في شقه الضريبي،  في يوم دراسي احتضنه مجلس المستشارين خلال الاسبوع الماضي.
ولأنه توصيف مبدع، ققد علق بذهني إلى أن اختمرت فكرة تقاسمه سياقا و مضمونا .

وإليكم الحكاية:
مهنيا وسياسيا حاولت متابعة أكثر ما يمكن من نقاشات جرت و تجري حول مشروع قانون المالية لسنة 2024، سواء داخل البرلمان، أو في الإعلام ولدى الباحثين و المهتمين و في وسط الرأي العام.

داخل البرلمان، تبدو الأمور واضحة، هناك حكومة (معدة المشروع) لها “أغلبيتها” التي لم تنل الصفة هذه إلا لمباركة “حكومتها”، و لو بمنطق “انصر أخاك ….”، و هناك معارضة وظيفتها الأساسية هي النقد والمعارضة واقتراح التعديل والبديل لإبراز تهافت أطروحة الحكومة و الأغلبية.

عادي جدا أن تتقاطع جدا في هذا التضاد الديمقراطي، السياسة بالإيديولوجية بالتقنية وحتى مخلفات المخرجات الانتخابية، فذلك بالضبط ما يضفي الحيوية والفرز، أقله على الحياة المؤسساتية، مادامت الرتابة هي ما يطبع الحياة السياسية والحزبية ( إلا من رحم ربك).

وطبعا في هكذا تقاطب بين أغلبية و معارضة “كل واحد كيقول فولي طياب”. بعض الفرق والمجموعات النيابية وبغاية إضفاء صدقية ومصداقية علمية على مواقفها، تعمد إلى الاستعانة بخبراء و جامعيين وإعلاميين متخصصين لسبر أغوار مشروع قانون المالية بعين ومرجعية البحث والتخصص العلمي، وهو ما يخرج النقاش من دائرة التخندق المؤسساتي القبلي الضيق إلى فساحة البحث و التفكير و العلم و التنظير .

نموذج ذلك، اليوم الدراسي الذي نظمته مجموعة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل بحر الأسبوع الماضي في موضوع ” “مشروع قانون المالية لسنة 2024 وسؤال الدولة الاجتماعية ” واستدعت لتنشيطه ثلة من الجامعيين المختصين كان من بينهم الأستاذ محمد الرهج الخبير في المالية العمومية، الرئيس السابق لجامعة الحسن الأول بسطات والمدير الحالي للمدرسة الوطنية للتجارة و التدبير بسطات، وكانت مداخلته بعنوان “مشروع قانون مالية 2024 و وهم الإصلاح الضريبي”.

في مستهل عرضه ذكر الأستاذ الرهج بأن قضية الإصلاح الضريبي بالمغرب لم تكن فعلا إرادويا لحكومات المغرب المتعاقبة، ولكنه نتاج اشتراطات للبنك الدولي، بعد أن شارف المغرب على حالة عدم سداد لديونه cessation de paiement سنة 1979.

ومنذها انطلقت عمليات إصلاح النظام الجبائي المغربي دون رؤية شمولية و بشكل مجزء ما بين سنتي 1979 و 1984، وبعدها وقع التطرق للضريبة على الشركات IS سنة 1986، ثم الضريبة العامة على الدخل IGR سنة 1990، لتنعقد أول مناظرة وطنية للإصلاح الضريبي سنة 1999 أعقبتها مناظرات أخرى كانت تشخص و تقف على مكامن الخلل و حجم الهدر ومستلزمات الإصلاح و أدواته ….

ولكن الذي وقع ، هو أن تجزيء الإصلاح وتشتيته ظل سيد الاختيارات ، و النظرة التقنقراطية و المحاسباتية سيدة النظرات.
وقد استغلت مناسبات عرض مشاريع قوانين المالية لتجزيء مخرجات مناظرات الإصلاح عبر انتقاء ما “ينفع” من إجراءات و تمريرها داخل مشاريع قوانين المالية بغاية الرفع من المداخيل ….وفقط.
و هو نفسه السلوك الذي اعتمد في مشروع قانون المالية الحالي الذي اختار معدوه الحل السهل ” الإصلاح على حساب الحيط لقصير : الرفع من القيمة المضافة على المواد الاستهلاكية لكل الأسر و العائلات، ماء، كهرباء، نقل …
أهو جهل أم تجاهل ؟

ولكن الحقيقة العلمية تقول بأن الرفع من الضريبة على القيمة المضافة TVA التي تتغذى بالزيادة في الأثمان و الأسعار …، سترفع نسبة التضخم وستدخل المالية العمومية والدورة الاقتصادية في دوامة دائمة للتضخم la spirale de l’inflation. وهو ما يعني أيضا بأن الحكومة وقد عجزت عن الإبداع فيما يتعلق مثلا بتنويع نسب الفاءدة حسب المنتجات و حسب الفئات ، وفيما يتعلق بخفض الضريبة وتوسيع قاعدتها ، وفيما يتعلق ببحث مجالات أخرى للتضريب ( الثروة مثلا باستثناء Les facteurs de production ، الفلاحة التصديرية …). وذلك تكون الحكومة قد اختارت نهج ال Cannibalisme fiscal .
وهو يطلق هذا التوصيف البليغ، لم يجد الأستاذ الرهج ترجمة دقيقة له فجاءت ترجمته أبلغ “الحكومة كتاكل الجيفة”.

حاولت شخصيا مع محركات البحث ومع Robert بكل أجزاءه علي أعثر على ترجمة شافية ، و لكن لاشيء غير تعاريف le cannibalisme بما هو أكل للحم البشر ، sauvagerie, brutalité, férocité ، و أقصى ما بلغته التعريفات التي عثرت عليها هو تعريف Anthropopthagie للكانيبال على أنه “آكل لحم جنسه”…نجانا الله وإياكم .
وبإسقاط هذا التوصيف على النظام الجبائي المغربي ، و بغض النظر عن قسوته السيميائية ، فقد كان مدخلا ليجزم الأستاذ الرهج بأنه لا وجود للدولة الاجتماعية في النظام الجبائي المغربي.
و به وجب الإعلام، و إلى مشروع قانون مالية آخر ، و فذلكات ضريبية أخرى ………………………و السلام .

جواد شفيق/ عضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية

مقالات ذات صلة