حكاية مشروع المغرب الكروي الذي يفرض نفسه عالمياً… من قطر إلى تشيلي

تشهد كرة القدم في المغرب طفرة نوعية منذ الإنجاز الكبير لمنتخب أسود الأطلس، بقيادة مدربه، وليد الركراكي (50 عاماً)، في بطولة كأس العالم في قطر 2022، حين بلغ المربع الذهبي، في قفزة تاريخية لم يسبق لها مثيل على المستويين الأفريقي والعربي، مروراً بتألق المنتخبات الأخرى في كرة القدم داخل الصالات والنسائية، وانتهاء بالنتائج الباهرة التي يحققها منتخب المغرب تحت 20 سنة حالياً في بطولة العالم للشباب بتشيلي، بقيادة المدرب محمد وهبي (48 عاماً)، إذ أصبح على مرمى حجر من التتويج بلقب المونديال لأول مرة في التاريخ، حين يواجه نظيره منتخب الأرجنتين في المباراة النهائية، في تمام الساعة الثانية من صباح الاثنين القادم.
ولم تأتِ هذه النتائج الاستثنائية وغير المسبوقة بمحض الصدفة، بل نتيجة عمل متكامل واستراتيجية وتخطيط واضحين من الجامعة الملكية لكرة القدم في اعتماد سياسة رياضية تُعنى بالاهتمام بكرة القدم والفئات السنية، مع ما يتطلبه ذلك من تعزيز البنية التحتية الرياضية بمواصفات عالمية. وفي ظل هذا النجاح الباهر، تبرز أهمية أكاديمية محمد السادس لكرة القدم في إنجاب العديد من المواهب منذ إنشائها، على غرار نايف أكرد، ويوسف النصيري، وعزالدين أوناحي، وأسامة ترغالين، وعبد الكبير عبقار، بالإضافة إلى المواهب الصاعدة حالياً أمثال ياسر زابيري، وفؤاد الزهواني، وحسام الصادق وغيرهم، ما يؤكد أن الأكاديمية التي أنشئت بمبادرة الملك محمد السادس أصبحت مركزاً عالمياً لتكوين النجوم على أعلى مستوى، بفضل الاعتماد على خبراء ومدربين عالميين، يضعون برامج تدريبات مدروسة بغرض صقل مهارات المواهب الصاعدة.
ولم يكن المغرب لينجح في مشروعه الكروي الناجح، لولا الاهتمام البالغ بالاستثمار في البنية التحتية الرياضية، عبر بناء ملاعب بمواصفات عالمية، وإنشاء الأكاديميات في مختلف جهات المملكة، من أجل بلوغ الأهداف المسطرة على المديين المتوسط والبعيد. ووفقاً لذلك، لعبت الجامعة الملكية لكرة القدم، برئاسة فوزي لقجع (55 عاماً)، دوراً محورياً في تنزيل مشروعه الرياضي على أرض الواقع، عبر مواكبة مستمرة للمنتخبات المغربية، والحرص على مشاركتها في المعسكرات التدريبية داخل المغرب وخارجه، وإقامة دورات تكوينية للمدربين.
ولم يقتصر دور الجامعة على تحسين جودة الملاعب وتطوير مهارات اللاعبين فحسب، بل نهج سياسة استقطاب المواهب المغربية من ذوي الجنسية المزدوجة، من أجل تمثيل منتخب بلدهم المغرب، وهو ما انعكس إيجابياً على أداء المنتخبات المغربية، بما في ذلك أشبال المغرب، الذين يتوهجون حالياً في مونديال تشيلي.
وإضافة إلى العوامل سالفة الذكر، أسهمت إنجازات منتخب أسود الأطلس الأخيرة، ولا سيما بلوغه المربع الذهبي في مونديال قطر 2022، في ترسيخ روح الاعتزاز بالانتماء إلى الوطن لدى الجيل الحالي، وتعزيز رغبته الملحة في تمثيل المغرب في البطولات القارية والعالمية، وهو ما يفسر الإقبال الكبير خلال العامين الأخيرين على اختيار اللعب تحت راية منتخب أسود الأطلس، إذ يقدر عدد اللاعبين الراغبين في ارتداء القميص الوطني بنحو مائة لاعب حالياً. ويسير المغرب بثبات نحو ترسيخ مكانة عالمية ترشحه بقوة للمنافسة على ألقاب مختلف البطولات القارية والعالمية، بفضل رؤيته المبنية على التكوين ودعم الدولة القوي والإصرار على كسب التحديات الكبرى.
العربي الجديد