هل انتهى حلم الجزائر في الانضمام إلى مجموعة «البريكس»؟
لم تكن تتوقع الجزائر أن يتم التعامل مع طلبها من قبل مجموعة «البريكس» بتلك الطريقة، فالرئيس الجزائري، كان قبل انعقاد المؤتمر تقريبا شبه واثق من دخول بلاده إلى هذه المجموعة، وكان يعول على دعم كل من روسيا والصين وجنوب إفريقيا، بل حاول أن يعطي الانطباع بقدرة الجزائر على رفع موارد بنك مجموعة «البريكس» عبر المساهمة بمبلغ 1.5 مليار دولار، وحرص في زيارته لكل من موسكو والصين على أخذ تعهدات من قبل الدولتين المؤسستين للمجموعة بالعمل على قبول عضويتها، لكن ما أسفر عنه اجتماع «البريكس» خيب آمال الجزائر، فتمت الدعوة إلى قائمة دول للانضمام إلى «البريكس»، هي الأرجنتين ومصر وإثيوبيا وإيران والإمارات والسعودية، ولم تتم دعوة الجزائر التي قدمت طلبا رسميا بالانضمام إلى المجموعة.
الكثيرون تفاجأوا من عدول الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عن حضور اجتماع «البريكس»، وإيفاد لعزيز فايد وزير المالية ممثلا عنه، وكان التفسير أن مجموعة «البريكس» أخذت قرارها بإستبعاد الجزائر في هذه المحطة، وأن الرئيس تبون قرر عدم الحضور لتجنب الإحراج.
لكن القليل من المراقبين من حاول الربط بين محاولة جنوب إفريقيا الادعاء بأن المغرب قدم ترشيحه للانضمام إلى المجموعة، وما أعقبه من رد فعل قوي لناصر بوريطة وزير الخارجية المغربي بهذا الشأن، وبين الإعلان في ختام الاجتماع عن الدعوة لقائمة من الدول ليس من بينها الجزائر، والقليل أيضا من حاول قراءة دعوة وزير مالية الجزائر (وزير تقني)، وعدم إيفاد وزير بعنوان سياسي.
الخرجة الإعلامية لوزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، لفتت الانتباه إلى شيء مهم، يرتبط بتأمين الشروط لتقوية المجموعة حتى تكون مؤهلة لاستيعاب عدد من الدول، ومنها أن يكون قرار المجموعة جماعيا، وليس انفراديا، وذلك في معرض انتقاده للأسلوب الانفرادي الذي انتهجته جنوب إفريقيا في دعوة الدول إلى الاجتماع، ومنها، تجنب توظيف مجموعة «البريكس» من قبل جنوب إفريقيا لتصفية حساباتها الضيقة ضدا على مصالح المجموعة، ومنها محاولة تحويل المجموعة إلى كيان سياسي يحمل شعارات دعائية تؤثر على استقرار المنطقة، في الوقت الذي يفترض فيه، أن تعمل هذه المجموعة على الاشتغال ابتداء على الجانب الاقتصادي، والاشتغال بطريقة متدرجة لعقلنة نظام العلاقات الدولية وترشيدها، وإضفاء العدالة على النظام الدولي، بالدفع إلى نظام متعدد الأقطاب، بدل ممارسة الدعاية، بتحويل المجموعة إلى معسكر تابع لروسيا مهمته خوض الصراع مع أمريكا رمز الإمبريالية كما هي العناوين السياسية التي حملتها عبارات رئيس جنوب إفريقيا في خطابه الدعائي في افتتاح الاجتماع.
جنوب إفريقيا، وجدت نفسها في ورطة حقيقة، لما توجه المغرب جهة الهند، أحد الأعضاء المؤسسين للبريكس، واشتكى من الطريقة الانفرادية التي أدارت بها جنوب إفريقيا دعوة الدول، بل وحتى الكيانات الوهمية لحضور اجتماع «البريكس»، ووجدت الرباط دعم دلهي، فكان القرار بتسقيف البعد السياسي للاجتماع، بالشكل الذي تصير فيه المجموعة إطارا قابلا للتوسع بمشاركة عدد من الدول الوازنة، التي لا تحمل في أجندتها العداء للولايات المتحدة الأمريكية أو الاتحاد الأوروبي، وتضع نفسها في دائرة الحياد من الحرب الروسية الأوكرانية.
الرئيس الجزائري، كان يعتقد أن نوايا الفاعلين الأساسيين في مجموعة «البريكس» تتوجه نحو خلق حلف موسع تقوده موسكو وبكين، ويمكن أن يدعم إفريقيا بمحور الجزائر جنوب إفريقيا، لكن عقل مجموعة «البريكس»، كان مؤطرا بمنطق آخر، وهو ضم الدول الوازنة التي يمكن أن يكون لحضورها تأثير على العلاقات الدولية، في اتجاه إضفاء العدالة عليها، وتوجيه النظام الدولي صوب نظام متعدد الأقطاب.
كان من الممكن لو تم الإعلان بشكل رسمي من قبل المغرب بتقديم طلب العضوية للانضمام للبريكس، أن تقرأ هذه التطورات بشكل مختلف، وأن يعلل رفض قبول انضمام الجزائر للمجموعة بكونه ناتجا عن تقدير موقف من المجموعة، بضرورة حمايتها وتحصينها من انعكاسات التوتر الإقليمي بين الرباط والجزائر والذي تغذيه جنوب إفريقيا بمواقفها المعادية للرباط، لكن قبول عضوية كل من مصر وإثيوبيا، وهما يعيشان على إيقاع توتر كبير بسبب سد النهضة وحصة مصر من مياه النيل، يدحض هذا التحليل، ويؤكد بأن رفض طلب الجزائر قد تم إما على خلفية غياب المؤهلات الاقتصادية التي تؤهلها للانضمام إلى المجموعة، وإما على خلفية ربط بعض الدول العربية الخليجية موافقتها على الانضمام للمجموعة بضرورة رفض طلب الجزائر، خاصة وأن التوتر بين الجزائر والإمارات بلغ أوجه في الأسابيع القليلة الماضية، إذ تم تصريف الصراع عبر وسائل الإعلام الجزائرية الرسمية التي اتهمت الإمارات برعاية شبكة تجسس تم اعتقالها في الجزائر، مما اضطر الرئيس الجزائري إلى إقالة وزير الاتصال، في محاولة للتهدئة، ثم عاد الصراع مرة أخرى للظهور عبر وسائل الإعلام الجزائرية التي اتهمت الإمارات بمحاولة إفساد العلاقات الجزائرية التونسية، والجزائرية الموريتانية، بتشجيع البلدين على التطبيع وتنفيذ مخطط تقسيم الجزائر، لتدخل الجزائر، في لعبة إدارة التوتر من جهة، وإرسال رسائل حسن النوايا إلى الإمارات من جهة مقابلة، ليزيد التوتر أكثر بعد أن أطلق عبد القادر بن قرينة، رئيس حركة البناء الوطني في الجزائر، تصريحات تحذر من الدور الإماراتي في المنطقة، عقب انقلاب النيجر الأخير، والادعاء بأن لديه معلومات بخصوص تطبيع وشيك لتونس مع إسرائيل، بعد أن زارها مسؤول في دولة خليجية مؤخرا.
ومهما يكن الأمر، فإن رفض قبول الجزائر لعضوية البريكس، تدخل فيه اعتبارات كثيرة، منها عدم توفرها على الشروط الاقتصادية التي تغري الدول المؤسسة للمجموعة لقبول عضويتها، ومنها أن المجموعة في هذه المرحلة، لا تريد أن تعطي أي إشارة إلى تحولها إلى كيان وظيفي تستثمره جنوب إفريقيا لتنفيذ أجندات ضيقة تفسد تطلعات «البريكس» ورهاناته البعيدة، ومنها أن واقعية «البريكس» وبراغماتيته تدفعه للتفكير في تأمين شروط انضمام الدول الوازنة، بما في ذلك أخذ بعض طلباتها بعين الاعتبار، ومنها أيضا، أن المجموعة لا تملك رؤية واضحة عن مستقبل الجزائر في ظل التهديد الذي يشكله انقلاب النيجر وتداعياته القريبة، ولذلك، لا تريد أن ترهن مستقبلها بتوترات، تربك مسارها، وتضيق أفقها في تحقيق رهانات التوسع والامتداد واستقطاب الدول الوازنة.
يبدو أن الجزائر استوعبت الدرس جيدا، وأنها اختارت بعد إبلاغها المبكر برفض قبول عضويتها، أن تجنب رئيسها الإحراج، وأن تبعث بوزير ماليتها حتى تبعث الرسالة بأن علاقتها بـ»البريكس» اقتصادية، وأنها لا تنخرط في أي مشروع لمناهضة الامبريالية الأمريكية كما هي دعاية جنوب إفريقيا في بداية الاجتماع، وحتى تتخفف من الضغوط التي تواجهها هذه الأيام من قبل واشنطن، وتيسير شروط توافق مع الولايات المتحدة الأمريكية في منطقة الساحل جنوب الصحراء تضمن به تأمين حدودها بعد انقلاب النيجر.
بلال التليدي/ نقلا عن القدس العربي