الفن يكتب عن شجاعة الصحافي خالد الجامعي

قبل أربع سنوات بالتمام والكمال، ودعنا خالد الجامعي الذي يعد، بكل تأكيد، واحدا من كبار الصحافيين المغاربة، والذي سيظل اسمه خالدا في ذاكرة هذه المهنة..
صحيح أن خالد الجامعي زاوج بين الصحافة والسياسة لكن الرجل ظل دائما يشبه نفسه..
وربما ظل دائما يكتب بعناد زائد وتحت هذا العنوان العريض:
الجرأة..
الشجاعة..
نفس نقدي أو قل “شبه ثوري”..
وكثيرا ما كان يسمي “الهرة” باسمها..
وقد وصلت هذه “الجرأة” و”الشجاعة” ذروتها في ندوة حل فيها الراحل ضيفا على فصيل طلبة العدل والإحسان بكلية الحقوق بالدار البيضاء..
عبد ربه كان حاضرا في الندوة ووضع يده على قلبه عقب ما سمع على لسان خالد الجامعي..
أكثر من هذا، هناك مقاطع من كتابات ورسائل خالد الجامعي يصعب ربما حتى أن نحيل عليها أو نستشهد بها اليوم في مقالاتنا وكتاباتنا حتى لا تفهم ب”الغلط”..
لم أعد أتذكر آخر مكالمة هاتفية لي مع الراحل خالد الجامعي..
لكني أتذكر جيدا أول لقاء جمعني بهذا الهرم الإعلامي الكبير الذي ليس إلا نجل بوشتي الجامعي أحد الموقعين على وثيقة الاستقلال.
حصل هذا وأنا صحافي بجريدة “المساء” لأن خالد الجامعي كان كاتب رأي “غير عادي” بهذه اليومية الواسعة الانتشار والتي كانت تباع وقتها مثل “الكعك الساخن”..
في هذا اللقاء المطول بمنزله المتواضع بالرباط، شعرت بالخوف على نفسي من حجم المعلومات التي باح بها في لحظة ما..
نعم كان خالد الجامعي في هذا اللقاء في منتهى “السخاء” وتحدث بدون “لغة خشب” عن الكثير من الأسرار ومن الملفات ومن الكواليس..
بعض هذه الملفات كان خالد هو شخصيا فاعلا فيها..
وفعلا إن الرجل كان “شاهدا على العصر” وعلى الكثير من الأحداث ومن المحطات السياسية سواء في عهد الراحل الحسن الثاني أو في العهد الجديد مع الملك محمد السادس..
وربما يمكن القول أيضا إن خالد كان في بداية العهد الجديد “شبه مستشار” غير معلن للدولة في أكثر من قضية وفي أكثر من ملف..
وقد روى لي هو نفسه العديد من الأسرار من لقاءاته غير المعروفة مع بعض الرجالات المحيطين بالملك الجديد والذين ذكرهم بالاسم..
أتذكر أن الراحل خالد الجامعي تحدث لي أيضا عن بعض الكواليس التي سبقت قضية رفع الحصار عن مرشد جماعة العدل والإحسان الشيخ عبد السلام ياسين..
وأتذكر أيضا أن خالد لم يجد أي حرج في أن يتحدث حتى عن بعض “المشورات” التي قدمها في هذا الملف أو ذاك..
بل تحدث أيضا وبلا حرج حتى عن علاقته بالدولة وببعض رموزها وبصديق الملك، فؤاد عالي الهمة والذي خصص له فيما بعد مقالا عاصفا بهذا العنوان إذا لم تخنني الذكرى:
“يا فؤادي لا تسل..”.
كما روى لي خالد في هذا اللقاء أيضا عن معاناته مع المرض وكيف اعتذر في أدب عن إجراء عملية جراحية كان سيتكفل ملك البلاد بمصاريفها.
وحصل هذا الاعتذار بدافع موضوعي لأن العملية الجراحية كانت، حينها، قد قطعت أشواطا متقدمة..
باختصار شديد، خالد هو صحافي في المقام الأول وهو عاشق للحرية وعاشق لأرض الله الواسعة..
وربما لهذا السبب، عاش طيلة حياته “شبه متمرد” ليس على “السجان” وعلى “أعداء” الحرية فقط..
خالد عاش “شبه متمرد” حتى على نفسه ومن نفسه أيضا..
وربما لهذا السبب أيضا، حظي الرجل باحترام الجميع..
وحظي باحترام الأصدقاء..
وحظي باحترام الخصوم..
وحظي باحترام أجزاء كثيرة في الدولة نفسها..
ولا بأس أن أذكر هنا أيضا بمضمون برقية التعزية الملكية والتي وصف فيها ملك البلاد الراحل خالد الجامعي:
ب”أحد رواد الصحافة المغربية”..
وب”الصحافي المقتدر”..
وب”المناضل والمثقف الملتزم، والمشهود له بالنزاهة الأخلاقية، والثبات على المبادئ، والصدق والموضوعية والمهنية العالية، سواء في كتاباته الصحفية، أو في مواقفه السياسية”..
انتهى النطق الملكي..
وأنا أهم بمغادرة منزل ابن الشعب خالد الجامعي، أتذكر أن الراحل سألني:
هل تعرف من كان يجلس، قبل قليل، في هذا المكان الذي تجلس فيه أنت الآن؟!..
طبعا لم أكن أعرف من كان يجلس في هذا المكان، لكني كنت أتوقع أن يكون الجالس إما صحافيا أو سياسيا أو رجل أعمال أو حقوقيا أو أي شخصية مماثلة..
لكن كم فوجئت عندما اكتشفت أني جلست في نفس المكان الذي كان يجلس فيه الأمير مولاي رشيد شقيق الملك شخصيا..
رحم الله الراحل خالد الجامعي.. وإنا لله وإنا إليه راجعون..
..
مصطفى الفن

مقالات ذات صلة