بنعبد الله يكتب.. مُبادرةُ المعارضة ومَكرُ الحكومة

إنه مأزق سياسي وأخلاقي وقانوني كبير تُوجَد فيه الحكومة، أمام الرأي العام الوطني، بسبب واقعة ملايير الدراهم التي أهْدَرَتْهَا، ولا تزال، من المال العام، بدون أيِّ أثر إيجابي على المواطنين، من خلال الدعم المباشر والإعفاءات الضريبية والجُمركية التي قَدَّمَتْهَا، ولا تزال، إلى مستوردي الماشية، على طبقٍ من ذهب.

بالنظر إلى خطورة القضية، وإلى التصريحات والوثائق المتضاربة لأطرافٍ حكومية مختلفة بهذا الشأن، ومن أجل كشف ملابسات كل ذلك للمغاربة، بادرت، كما هو معلوم، مكوناتُ المعارضة بمجلس النواب إلى إطلاق مبادرة تشكيل لجنة لتقصي الحقائق، على أمل أن تتعامل معها مكوناتُ الأغلبية بروحٍ إيجابية وبنَّاءة، طالما أن الهدف هو الوصولُ إلى الحقيقة ولا شيء غير الحقيقة، في إطارٍ دستوريٍّ ومؤسساتيٍّ شفاف وموضوعي.

لكن، لم تجد الحكومة من مَخرجٍ أمام هذا الوضع الذي أربَكَها سوى دفعُ أغلبيتها نحو محاولة تبخيس، بل إفشال ونسفِ، مبادرة تشكيل لجنة لتقصي الحقائق المؤطَّرة بالدستور وبقانون تنظيمي، وذلك من خلال تقديم طلبِ تشكيل مهمة استطلاعية حول نفس الموضوع.

وهنا يتعين الوقوفُ عند الفوارق الشاسعة جداًّ، على كل المستويات، بما فيها مستوى الأثر القانوني، ما بين لجنة تقصي الحقائق ذات الحمولة الدستورية القوية، والتي يُعتبرُ مُثولُ أيِّ شخصٍ أمامها إلزاميًّا، والاستماعُ إليه يكون تحت أداء اليمين، مع إمكانية إحالة تقريرها على القضاء، من جهة، وما بين المهمة الاستطلاعية التي لا يتجاوز دورُها الطابعَ الإخباري وإصدار توصياتٍ غير ملزمة لأحد، من جهة ثانية.

لذلك، فلا المعارضةُ الوطنية، ولا الرأيُ العام الوطني، يمكنُ أن تنطلي عليهما هذه الحيلةُ المفضوحة، أو الخديعة الماكِرة، التي لجات إليها الحكومةُ للالتفاف والتملُّصِ من واجبِ ومَطلَبِ مُثول كلِّ معني بالأمر أمام لجنةٍ لتقصي الحقائق، تنويراً للرأي العام، وتجسيداً لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، وحفظاً للمال العام، وترسيخاً لقيمة البرلمان واختصاصاته.

وبالدارجة المغربية “للي ما ف كرشو عجينة ما عندو علاش يخاف”. بمعنى أن الحكومة إذا كانت فعلاً متأكدةً من أن دعمها لمستوردي المواشي لا يشوبُهُ أيُّ اختلال، فلماذا تتهربُ من لجنة تقصي الحقائق!؟ إنَّ اللجنة مثل اسمها تماماً، لا تهدف سوى إلى الحقيقة. فلماذا تخاف الحكومةُ من الحقيقة!؟ إنه فعلاً أمرٌ يزيدُ من الرِّيبَةِ والشك…، ومن الشُّبُهات، في هذه القضية التي تشغل بال الرأي العام… وتُزعِجُ الحكومة، بشكلٍ جليّ، وتضعها أمام مِحَكٍ حقيقي وتمرينٍ فعلي، في مواجهة… ذكاء المغاربة وتطلعهم نحو الشفافية والعدالة والديموقراطية.

مقالات ذات صلة