الدبلوماسية البرلمانية.. أي دور للبرلمان في دعم المبادرة الأطلسية؟

أطلق المغرب المبادرة الأطلسية باعتبارها حدثًا إقليميًا ذا أبعاد دولية غير مسبوقة، لما توفره من فرص استراتيجية لدول الساحل، وتهدف إلى تحويل الواجهة الأطلسية إلى فضاء للتواصل الإنساني، والتكامل الاقتصادي، والإشعاع القاري والدولي، من خلال بناء شراكات رابح-رابح تعزز روابط التعاون بين المغرب وعمقه الإفريقي.
وقد حظيت هذه المبادرة، التي أعلن عنها الملك محمد السادس في خطاب الذكرى الثامنة والأربعين للمسيرة الخضراء سنة 2023، بترحيب دولي واسع، باعتبارها رؤية متكاملة تجعل من المحيط الأطلسي بوابة المملكة نحو إفريقيا ونافذتها نحو الفضاء الأمريكي.
ويقدم المغرب اليوم نموذجًا يحظى بثقة متزايدة على الصعيد الدولي، بفضل استقراره السياسي والأمني، وبنياته المؤسساتية واللوجستيكية المتقدمة. وهو ما دفع العديد من دول الساحل إلى التفاعل الإيجابي مع هذه المبادرة، التي تندرج ضمن التحول الاستراتيجي العميق في السياسة الإفريقية للمملكة، بعيدا عن المنظومات التقليدية التي أثبتت محدوديتها في تحقيق التنمية والرفاه، والتي غالبًا ما كانت مبنية على منطق الهيمنة.
وتشكل المبادرة الأطلسية رافعة استراتيجية جديدة لإعادة صياغة العلاقة بين المغرب وعمقه الإفريقي، من منظور تنموي متوازن يقوم على التكامل، والتعاون جنوب-جنوب. وفي هذا السياق، تبرز الديبلوماسية البرلمانية كأداة فاعلة ومؤثرة في تثبيت أركان هذه المبادرة، من خلال دورها الترافعي، وقدرتها على التأثير في مراكز القرار الدولي، وبناء تحالفات برلمانية استراتيجية تُمكن من تحقيق إشعاع المبادرة وتقوية حضورها في المحافل القارية والدولية.
واعتبارًا لأهمية الدبلوماسية البرلمانية كآلية للدفاع عن مصالح المملكة والمشاركة في الحوار الدولي، احتضن مجلس النواب، بتاريخ 6 فبراير 2025، أشغال اجتماع رؤساء برلمانات الدول الإفريقية الأطلسية، تحت شعار: “نحو بناء شبكة برلمانية من أجل إفريقيا أطلسية مستقرة ومتكاملة ومزدهرة”. وقد تميز هذا اللقاء بمشاركة وازنة لرؤساء وممثلي برلمانات هذه الدول، وتُوج بـإعلان الرباط، الذي تضمّن مجموعة من المقترحات، من أبرزها إحداث شبكة برلمانية تمثل برلمانات الدول الإفريقية الأطلسية، بهدف تنسيق جهودها، وتوثيق أعمالها، وترصيد مكتسباتها. كما تقرر إحداث كتابة تقنية لتتبع خطوات هذه الشبكة.
الدبلوماسية البرلمانية ودورها الترافعي
تُعد الدبلوماسية البرلمانية رافعة أساسية لتعزيز هذه المبادرة، من خلال الترافع والتسويق لها على الصعيدين الوطني والدولي، والتعريف بما تحمله من فرص في مجالات السلم والأمن والتنمية، خارج منطق الهيمنة والنفوذ، وفي إطار عقيدة المغرب الدبلوماسية المبنية على التعاون والشراكة المتوازنة.
وفي هذا الإطار، أوضح محمد أوزين، نائب رئيس مجلس النواب وعضو لجنة الخارجية والدفاع الوطني والشؤون الإسلامية وشؤون الهجرة والمغاربة المقيمين بالخارج، أن”تنفيذ هذه المبادرة، التي أطلقها الملك محمد السادس، كصاحب أفكار مبدعة ومبتكرة، يستلزم التنسيق والتعاون بين المؤسسات الحكومية والبرلمان، اعتبارا لدورهما المحوري في صياغة وتنفيذ السياسات العمومية”.
وأكد أوزين، في تصريح خص به موقع “الميدان بريس”، أن “المبادرة الأطلسية ليست مشروع قانون أو مقترحاً برلمانياً محدداً، بل هي إطار سياسي شامل يمكن ترجمته إلى إجراءات تشريعية وإدارية من قبل البرلمانات والحكومات”. وهو تصور تشاركي يتوق إلى قارة الغد، يقول أوزين.
وشدد المتحدث ذاته على أن “المؤسسات التشريعية في القارة الأفريقية مطالبة بمواكبة هذه الدينامية لكونها تشكل جسرا أساسيا لنسج علاقات أوثق مع الدول الإفريقية، باعتبار دور البرلمانيين في تدعيم رافعة التنمية المشتركة التي سيستفيد منها بنات وأبناء القارة السمراء”، مشيرا إلى أن “المملكة المغربية، بفضل قيادة ملك يمتلك بعدا مستقبلا واستشرافيا، تعمل على تفعيل دبلوماسية فعالة متعددة الأبعاد، ترتكز على التبادل الثقافي مع باقي دول القارة”.
وبالنسبة لرئيسة لجنة الخارجية والدفاع الوطني والشؤون الإسلامية وشؤون الهجرة والمغاربة المقيمين في الخارج بمجلس النواب، سلمى بنعزيز، فـ”البرلمان كممثل للأمة يلعب دورا محوريا لدعم المبادرات الملكية، من ضمنها المبادرة الأطلسية، ويقوم بدور هام في التسويق لهذه المبادرة وطنيا ودوليا، من خلال شبكة العلاقات التي تجمعه بعدد من برلمانات العالم”.
وسجلت بنعزيز، والتي تشغل أيضا منصب رئيسة لمنتدى رؤساء لجان الشؤون الخارجية بالبرلمانات الإفريقية، أن “البرلمان المغربي، ومن من خلال موقعه جد المحترم على مستوى القارة وشبكاته المتعددة يضطلع بدور ريادي وتعبئة قارية ودولية في دعم المبادرة والتعريف بها”، مشيرة إلى أن “استضافة مجلس النواب لأشغال اجتماع رؤساء برلمانات الدول الإفريقية الأطلسية يدخل في هذا الإطار”.
وسجلت المتحدثة ذاتها، في تصريح لـ “الميدان بريس”، أن “البرلمان المغربي عضو فاعل في مجموعة من المنظمات البرلمانية، أهمها البرلمان الافريقي والجمعية البرلمانية الفرنكفونية، وبرلمان أمريكا اللاتينية، والجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا، مما يتيح له فضاءات هامة للترويج لهذه المبادرة”.
وأوضحت بنعزيز، أن “هذه القمة، التي استضافها مجلس النواب، غاية في الأهمية وسابقة من نوعها”، مؤكدة أن “البرلمان المغربي يستجيب لمضامين الخطاب الملكي لما يجب أن تلعبه الديبلوماسية البرلمانية في دعم القضايا الوطنية، والمبادرات الملكية هي من ضمن هذه القضايا”، تضيف بنعزيز.
واعتبرت رئيسة لجنة الخارجية والدفاع الوطني والشؤون الإسلامية وشؤون الهجرة والمغاربة المقيمين في الخارج بمجلس النواب أن “المبادرة الأطلسية تكرس نموذجا جديدا للعلاقات جنوب جنوب، بعيدا عن منطق الاملاءات والوصاية، وتفتح الباب على مجموعة من الشراكات القائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة”.
وفي السياق نفسه، يرى رئيس فريق الاتحاد العام لمقاولات المغرب بمجلس المستشارين، يوسف العلوي ، أن الديبلوماسية البرلمانية تعتبر أحد أذرع القوة الناعمة للدولة، وتقوم على إشراك البرلمانيين في العمل الخارجي للتعريف بالقضايا الوطنية والدفاع عنها في المحافل الدولية.
وشدد العلوي، في تصريح خص به موقع “الميدان بريس”، على أنه “بالنظر إلى مكانة البرلمان المغربي، بغرفتيه: مجلس النواب ومجلس المستشارين، كفاعل مؤسساتي في إطار الدبلوماسية البرلمانية، فإن دوره يُعد محوريًا في الترويج لهذه المبادرة وضمان إشعاعها الإقليمي والدولي، خصوصًا في سياق التحديات الأمنية والتنموية التي تواجهها دول الساحل”.
وأكد العلوي على أن البرلمان يشكل أداة مركزية في الديبلوماسية الموازية لتعزيز إشعاع المبادرة الأطلسية، عبر دينامية مؤسساتية تقوم على الحوار، الترافع، وبناء الشراكات البرلمانية. ولتحقيق ذلك، يضيف العلوي، أن يجب تطوير أدوات العمل البرلماني، وتنسيق الجهود بين الغرفتين، بما يجعل من المؤسسة التشريعية شريكا فعّالا في تنفيذ الرؤية الملكية.
الآليات البرلمانية لدعم المبادرة
يملك البرلمان أدوات وآليات هامة لدعم هذه المبادرة وللقيام بدوره كاملا في إطار الديبلوماسية البرلمانية، وبناء على هذا الأساس نطرح التساؤل الآتي : ما هي الآليات التي يمكن أن یتدخل من خلالها البرلمان للترويج للمبادرة الأطلسية ومزاياها وأهدافها وفرصها؟ توجد هذه الآليات في نظر أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية بجامعة محمد الأول بوجدة خالد شيات على مستوى لجان الصداقة المشتركة أو على مستوى العمل البرلماني الجماعي مع مجموعات برلمانية أو في إطار اتحادات برلمانية وغيرها من الأدوات المتاحة على مستوى البرلمان للعمل على هذا المشروع الكبير.
وشدد الشيات، في تصريح خص به موقع “الميدان بريس”، على أن “البرلمان يقوم بعمل كبير بهذا الخصوص، خاصة على مستوى مجموعة من المناطق، مثلا مع دول أمريكا اللاتينية والكاريبي أو مع دول إفريقية أو حتى مع دول أوروبية، داعيا إلى تشبيك العلاقات على المستوى الشخصي بالنسبة للدول التي لا يكون لبرلماناتها أدوارا كبيرة في صناعة السياسات الخارجية لبلدانها، والعمل في هذا الإطار على توجيه سياسية هذه الدول نحو التعامل والتوافق مع المبادرة المغربية الأطلسية، مستدركا بالقول “لكن بالنسبة للدول الديمقراطية، في مناطق أخرى، فمن المهم جدا أن يتم تكثيف العمل على مستوى لجان الصداقة المشتركة وإبراز هذه المبادرة لأن السياسات الحكومية تنبع من البرلمانات وتكون خلفيتها خلفية ديمقراطية”.
وبخصوص التساؤل نفسه، اعتبرت بنعزيز أن الترافع البرلماني يتم على الساحة الدولية من خلال العلاقات الثنائية ومتعددة الأطراف التي تربط البرلمان المغربي بعدد من البرلمانات الدولية، وتتيح له فرصة شرح أهداف المبادرة وأبعادها الجيوسياسية وفرصها التنموية والاقتصادية، باعتبارها مبادرة استراتيجية غير قائمة على منطق التوسع والهيمنة، بقدر ما تقوم على منطقة التنمية المستدامة والشراكة والتكامل جنوب جنوب، تقول بنعزيز.
كما أوضحت بنعزيز أن “المنتديات الاقليمية والقارية هي أيضا منصة لتعبئة البرلمانات الافريقية خصوصا والدولية عموما، ويمكن للبرلمان المغرب أن يشتغل من خلالها، وهو ما يتم فعله من خلال عرض المبادرة وتعبئة الدعم السياسي لها نظرا لأهدافها والسعي إلى تشكيل قوة برلمانية فاعلة”.
ودعت إلى تعزيز الديبلوماسية العلمية والمؤسساتية من داخل اللجان البرلمانية، وذلك من خلال تنظيم لقاءات دراسية بمشاركة خبراء وفاعلين من دول الساحل لتوضيح وشرح إمكانات وفرص هذه المبادرة، الأمر الذي سيخلق تراكما معرفيا وأرضية موثقة بدراسات تدعم أهدافها.
ولفتت بنعزيز الانتباه إلى أن البرلمان يمكن أن يفعل ديبلوماسية مغاربة العالم، خصوصا مغاربة إفريقيا الأطلسية، باعتبار أن الجالية المغربية تشكل جسرا للتواصل وامتدادا طبيعيا للمغرب سيعزز حضوره داخل هذه البلدان وسينقل المبادرة إلى الوسط الشعبي وداخل المجتمع المدني لدول الساحل.
وبخصوص التساؤل نفسه المتعلق بالآليات المتاحة للتعريف بهذه المبادرة، يرى رئيس فريق الاتحاد العام لمقاولات المغرب بمحلس المستشارين، أن البرلمان المغربي يمكن أن يساهم في التعريف بها من خلال دعوة برلمانات دول الساحل إلى لقاءات تشاورية حولها، وتنظيم منتديات برلمانية مشتركة مغربية-ساحلية بشكل سنوي، وتأسيس لجنة تنسيق برلمانية متعددة الجنسيات لمتابعة تنفيذ مشاريع المبادرة.
كما أكد العلوي أن تسويق هذه المبادرة يتم أيضا عبر البعثات البرلمانية الخارجية، والمجموعات البرلمانية المشتركة، والمنتديات الدولية (كالمنتدى البرلماني الإفريقي، الجمعية البرلمانية للفرنكوفونية…)
وأضاف قائلا “يجب استثمار عضوية البرلمان المغربي في البرلمان الإفريقي للترويج للمبادرة، وإدماجها ضمن أجندة الاجتماعات الرسمية لاتحاد البرلمانات الإفريقية، مع إطلاق دبلوماسية برلمانية موضوعاتية حول التنمية الساحلية والتكامل الإقليمي”.
ودعا العلوي إلى تضمين المبادرة في الوثائق والمذكرات التوضيحية المقدمة إلى المنظمات البرلمانية العالمية، واستضافة ندوات دولية في البرلمان المغربي حول الأمن البحري والاندماج الإقليمي، مع توجيه دعوات رسمية للبرلمانيين المؤثرين في العالم للوقوف على الأهمية الاستراتيجية للمبادرة.
وأوصى رئيس فريق الاتحاد العام لمقاولات المغرب بضرورة تسطير خطة عمل برلمانية سنوية للترويج للمبادرة، وتخصيص جلسة سنوية لتقييم تقدم تنفيذ المبادرة، وتعزيز التواصل المؤسساتي مع ممثلي الدول المستهدفة؛
كما أوصى المتحدث ذاته بضرورة تشجيع التعاون مع المنظمات البرلمانية القارية والدولية، وإعداد تقارير دورية مشتركة بين الغرفتين حول أثر المبادرة.
البعد الاقتصادي للمبادرة
توفر المبادرة الأطلسية لدول الساحل فرصة الانفتاح على باقي الاقتصادات الدولية، وتعطيها جاذبية للاستثمارات الأجنبية، وتمنحها سيادة اقتصادية وبدائل استراتيجية، كما تأتي لتشكيل تكتل قاري لمواجهة التحديات المتزايدة، وتحقيق التكامل الاقتصادي بين الدول، والازدهار الاجتماعي وضمان عيش كريم للمواطن الإفريقي، وإرساء معادلة جديدة في العلاقات الإقليمية، من خلال إبداع حلول مبتكرة مبنية على البراغماتية السياسية، وليس على زيف الشعارات.
وفي هذا الصدد، يرى محمد أوزين، أن المبادرة الأطلسية ستسهم في ازدهار القارة الإفريقية من خلال تعزيز التعاون جنوب-جنوب وتقوية الروابط بين الدول، وتحسين البنية التحتية للنقل والاتصالات، وتحفيز التنمية الاقتصادية بشكل عام، وتشجيع تبادل الخبرات والمعارف بين الدول النامية، وتحسين الوصول إلى الأسواق، وتمكين بلدان الساحل من الارتباط بشكل أفضل بالأسواق الدولية، مما ينعكس إيجابيا على اقتصادها، مشيرا إلى أن هذه المبادرة تشمل توفير بنية تحتية في مجالي النقل والاتصالات، مما سيساهم في انسيابية تنقل الأشخاص والبضائع، وتشجيع المبادلات التجارية وتشجيع الاستثمار وتطوير صناعات جديدة، يما يضمن فرصا جديدة للشغل وتحقيق التنمية الاقتصادية في دول الساحل.
من جهته يرى رئيس فريق الاتحاد العام لمقاولات المغرب بمجلس المستشارين أن المبادرة الأطلسية تشكل رافعة اقتصادية بامتياز، إذ ترتكز على توظيف موقع المغرب الجيو-استراتيجي لتحويل الواجهة الأطلسية إلى قطب للنمو والتنمية المستدامة في غرب إفريقيا، يضيف العلوي.
ويبرز البعد الاقتصادي للمبادرة، بحسب العلوي، في تطوير موانئ متعددة المهام على طول الساحل الجنوبي للمملكة، من الداخلة إلى أكادير، بما يتيح ربطًا مباشرًا بدول الساحل، وإنشاء مناطق لوجستية وتجارية حرة لتعزيز حركة السلع والخدمات والبضائع العابرة للقارات، وتمكين دول الساحل من النفاذ إلى الأسواق العالمية عبر بنيات تحتية مغربية متطورة، ما يشكل عرضًا مغريًا للشركاء الأفارقة، إضافة إلى تشجيع الاستثمارات المغربية في قطاعات حيوية في دول الساحل مثل الطاقة، الفلاحة، والصناعة الغذائية، بدعم من الأبناك والمؤسسات التمويلية المغربية، وتعزيز الربط الطرقي والسككي والملاحي بين المغرب والدول المعنية، من خلال شراكات ثنائية أو ثلاثية، تشمل كذلك مستثمرين دوليين.
وفي هذا السياق، يمكن للبرلمان المغربي، بحسب رئيس فريق الاتحاد العام لمقاولات المغرب، المساهمة عبر تنظيم منتديات اقتصادية برلمانية تجمع ممثلين عن القطاع الخاص والمستثمرين من كلا الجانبين، وإصدار تقارير برلمانية تحليلية حول فرص الاستثمار والتبادل الاقتصادي مع دول الساحل، ومرافقة المؤسسات الاقتصادية الوطنية في أنشطتها بأقاليم الجنوب كمجال نموذجي لتفعيل المبادرة، وتحفيز التعاون بين غرف التجارة والهيئات الاقتصادية عبر اتفاقيات إطار بدعم برلماني.
كما أن هذه المبادرة، يقول العلوي، بعيدة كل البعد عن أي نزعة إقليمية، حيث يتعلق الأمر بمشروع نبيل، وأحد روافد البناء القاري المتمثل في الاتحاد الإفريقي، ويتوخى أن يكون قيمة مضافة أساسية لمنطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية، ورافدا في تعزيز التكتلات القارية الإفريقية، وتهدف إلى تمكين دول الساحل الإفريقي من الولوج إلى المحيط الأطلسي وتحويل الواجهة الأطلسية للمملكة إلى فضاء للتكامل الاقتصادي والتواصل الإنساني، وتعد امتدادًا للرؤية الملكية حول التعاون جنوب-جنوب، حيث تسعى المملكة المغربية إلى لعب دور جسر بين إفريقيا وأوروبا وأمريكا اللاتينية، مع تحويل موقعها الجغرافي إلى رافعة للتنمية الإقليمية، يضيف المتحدث ذاته.
من جهتها اعتبرت بنعزيز أن المبادرة تمثل تحولا استراتيجيا لرؤية المغرب للاندماج الافريقي، وتوفر فرصة لفك العزلة الجغرافية والاقتصادية عن دول الساحل، من خلال تنويع منافذها التجارية والاقتصادية وتقليص التبعية المفروضة عليها لموانئ ومنافذ بحرية محددة.
وأوضحت المتحدثة نفسها أن المبادرة الأطلسية ستحسن القدرة التنافسية لصادرات الدول المعنية بها، وتسهل ولوجها للأسواق العالمية، وتسرع التنمية الاقتصادية من خلال البنية التحتية، خاصة وأن المغرب بقيادة الملك، وضع بنيته التحية رهن هذه الدول وتحت تصرفها، وهو ما سيخلق شبكة للتكامل الاقتصادي الافريقي الأطلسي، وسيحفز الاستثمار في المنطقة، تقول بنعزيز.
وشددت بنعزيز أن المبادرة تعزز أيضا السيادة الطاقية لدول الساحل من خلال تطوير الطاقات المتجددة والربط الكهربائي ودعم الانتقال الطاقي للاستجابة للرهان المتعلق بالاكتفاء الذاتي وتقليص التبعية للمواد الخارجية.
تعزيز الأمن والسلم الإفريقيين
أصبحت المبادرة تلقى اهتماما متزايدا من قبل الدول الإفريقية لما توفره من فرص للشعوب الإفريقية وما تفتحه من أفق لمواجهة التحديات المرتبطة باستثاب الأمن والاستقرار، والتفكير الجدي في مستقبل المنطقة، وفي الأجيال الصاعدة.
اللافت أن المغرب أضحى شريكا دوليا موثوقا فيه يتمتع بمكانة متميزة دوليا، بفضل نجاح استراتيجيته الكبرى المبنية على شراكة رابح- رابح. كما أضحى أحد ركائز الاستقرار بالمنطقة في مواجهة القلاقل الأمنية، خاصة أن منطقة الساحل والصحراء، معروفة بنشاط الجماعات المتطرفة وانتشار الجريمة المنظمة والعابرة للحدود والهجرة غير الشرعية، والمخدرات، الأمر الذي يجعل لهذه المبادرة بعدا أمنيا يتمثل في تجفيف منابع كل هذه الجرائم من خلال القضاء على مسببات ذلك، خاصة البطالة والفقر، إذ تقول بنعزيز إنه “لا يمكن الحديث عن الأمن والاستقرار في منطقة مازالت التنمية معطلة بها”.
وأبرزتب بنعزيز أن “المبادرة الأطلسية مبنية على التنمية والاندماج الاقتصادي وستشكل بديلا استراتيجا للمعالجة الأمنية الصرفة، وتخلق فرصا للشغل لشباب هذه الدول، مما سيكبح إمكاينة امتداد جذور التطرف والجريمة بالمنطقة.
من جهته يرى الشيات أن” هذه المبادرة ستكون لها انعكاسات على مستوى الأمن والسلم العام داخل منطقة الساحل والصحراء وعلى مستوى هذه الدول نفسها، مؤكدا أن التعاون الاقتصادي يؤدي إلى تجاوز الاشكالات ذات الطبيعة السياسية، سيما تلك المرتبطة بالجانب الحدودي للدول المعنية بها.
وأبرز شيات أن “القبول العام الذي لقيته هذه المبادرة يرجع بالأساس إلى طبيعتها الاقتصادية والتجارية التكاملية وإلى أهدافها التنموية، والتي تأتي في إطار الربح المشترك وتقاسم المنافع، وليس في إطار فرض تعليمات من طرف دول على دول أخرى”.
وأكد أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية، أن “هذه المبادرة تجمع ما بين التوجهات المرتبطة بالدول المتقدمة ودول الجنوب، وليست مبادرة ما بين دول الجنوب في مقابل دول الشمال”، مما يجعلها، يضيف الشيات، “تلقى إقبالا كبيرا، لأنها مبنية بالأساس على الشراكة المتوازنة”.
وعلى سبيل الختم تفرض التحديات الأمنية والتنموية التي تواجه منطقة الساحل، على البرلمانات الإفريقية الأطلسية التفاعل الإيجابي مع روح هذه المبادرة، وتبني دينامية برلمانية قادرة على تحويل إعلان الرباط إلى خارطة طريق ملموسة تؤسس لشبكة برلمانية فعالة، تشتغل على تنزيل المبادئ المؤسسة للمبادرة الأطلسية. وهنا يبرز البرلمان المغربي، بغرفتيه، كفاعل مؤسساتي محوري، يمتلك من الخبرة والشبكات والعلاقات ما يؤهله لقيادة هذه الدينامية ومواكبة الرؤية الملكية الاستشرافية بأدوات الديبلوماسية الموازية، التي تزاوج بين العمل المؤسساتي، والتواصل البرلماني، والتأطير الفكري والمعرفي.
وعليه، فإن نجاح المبادرة الأطلسية يظل رهينا بتقاطع جهود الدولة، والمؤسسات التشريعية، والقوى الحية، من أجل جعل الواجهة الأطلسية بوابة للتنمية المشتركة، والاندماج الإفريقي، والتواصل الإنساني، بما يُعزز مكانة المغرب كقطب إقليمي ونموذج شراكة فعالة ومبتكرة في محيطه الإفريقي والأطلسي.
حسن قديم