المساوي يكتب.. الإسلاميون يتصورون أن كل شرور الكون تأتي من المرأة
إن اللغة تحمل سلطة اجتماعية محايدة لها، وهي تتخذ مظهرا بريئا يتمثل في منظومة القواعد الفعلية والنحوية والتركيبية، وبتعبير آخر فإن اللغة كمؤسسة اجتماعية لها استقلال عن الأفراد الناطقين بها، وباعتبارها لها قواعدها الضابطة لنظامها الصوتي والمعجمي والنحوي وهكذا فاللغة كنسق تتكون من بنيات كالبنية الصوتية، والنحوية والمعجمي، إذ من خلال هذه البنيات يمكننا رصد مظاهر سلطة اللغة والبحث عن التمييز الذي يقوم على النظرة الدونية للمرأة.
فعلى المستوى المعجمي سنجد حضورا قويا للتفريق بين الجنسين، فاذا وقفنا مثلا على المعجم العربي، فانا سنلاحظ أن كلمة امرأة مشتقة من فعل ” مرأ ” اي طعم ومن هنا تواجهنا صلة المرأة بالطعام ، ويقال مرأ فلان مرءا اي صار كالمرأة. وتجمع المرأة على غير أصلها فيقال نساء ونسوة، بدل ” مرأت “، والنساء تعني المناكح، ومن هنا تواجهنا صلة المرأة بالجنس.
لقد لعبت كذلك البنية النحوية العربية دورا أساسيا في ترتيب الجنسين وتصنيفهما. فإن كان التمييز بين الجنسين ظاهرا على المستوى المعجمي وعلى المستوى النحوي ، فاننا سنعاين هذا التمييز كذلك على المستوى الصوتي، فالأصوات تقوم بوظيفة التأكيد على المنطقة التي ينتمي اليها المتكلم، فبالنسبة لنطق ” القاف ” القريب من الهمزة غالبا غالبا ما يدل على إن متكلمه أنثى، كما ان خاصية ترقيق الأصوات بصفة عامة هي خاصية نسوية.
إن اهمية المستوى الصوتي تكمن في تحديد نوعية المتكلم وتمييزه بل احتقاره في بعض الأحيان “صوته كصوت المرأة”، “الكلمة هي الرجل “، “ما عندك كلمة كالمرأة “، “الكلام مع الرجال لا مع العيالات “.
وهكذا فاللغة العربية ليست أداة للتواصل فقط بل فيها تنطوي أبعاد الوجود الانساني العربي، إنها تعتبر مدخلا أساسيا لفهم واقع الدونية الذي تعاني منه المرأة وتكتوي بناره، فأن نتكلم إذا ليس هو ان نتواصل بل أن نسود ونسيطر، إن اللغة لا تنتج تواصلا بل تنتج علاقة، علاقة سلطة وسيطرة .
ويظهر إن الاسلاميين، شيوخ الايديولوجية السلفية والاخوانية، متشبعون بالموروث الثقافي التقليدي الذي يحتقر المرأة ويكرس دونيتها، من هنا عندما يتكلمون اللغة او تتكلمهم اللغة، فإنهم يخاطبون المرأة بفحولة جنسية وفحولة معرفية وسياسية، وهذا ما يدل عليه انفجار اللاشعور البنيوي والمكبوت الأصولي في خطابهم …إنها قناعات تعكس موقفا ذكوريا من المرأة…
إن الاسلاميين يلعبون ” لعبة ” الذكر، وهذه اللعبة كما تؤكد على ذلك الثقافات القضيبية الرجالية الفحولية، تتمثل في تلقين وحقن دماغ الذكر بأن يكون شديدا عنيفا، بطلا مقداما وكل مشتقات السيطرة كالعنف والبطش، لذا تنسب هذه الثقافة الذكر إلى الحكمة والعقل، وفي مقابل هذا الاحتفال الطقوسي بالعقل والحكمة والشدة والمبارزة، وتشترط على الأنثى ثقافيا الميوعة والنعومة والانفعال والعاطفة والرومانسية. إنها تدفع المرأة الى مناطق الانفعال، الشعر، الشعوذة، الزينة، التبرج، الكبد. أما حكمة السيطرة على الانفعالات وقتل جواسيس النفس أقدس من أن تمارسها المرأة، ويفسر بعض المفكرين المعاصرين هذا الموقف الذكوري بإرجاعه إلى ما يسميه بريان اسلي ” عقدة هشاشة القضيب “.
وهنا نسجل بأنه لا بد من مراجعة ومساءلة الموروث الثقافي الذي ما زال يرقد في الخطاب الاسلاموي .
تقول سيمون دي بوفوار : ” إن المرأة لا تولد امرأة ولكنها تصبح كذلك “، وتماشيا مع الخطاب الديبوفواري، يمكن القول أن الرجل لا يولد رجلا ذكرا وإنما يصبح بالثقافة كذلك، والتحديد الذي يعطيه رايلي لمفهوم الذكر والانثى انما هو بالأساس يعتمد المتواليات من النعوت التي تنسب الى كل منهما ، وفقا للثقافة : المهد ، البيئة ، الأسرة ، السياسة …الثقافي هو الذي لطف ما سمي ويتسمى الجنس اللطيف وهو الذي أوجد الخشونة لدى الجنس الخشن ، اما الطبيعة فلا يبدو أنها جنسوية ، اي تفاضل بين الجنسين .
وبعبارة أخرى فالطبيعة لم تنتصر للرجل ضد المرأة، ولكن الرجل، انطلاقا من وعيه الفحولي للعالم، هو الذي ذكر الذكر وذكر المعرفة وذكر العلم وذكر السياسة …وفي المقابل أنثن الطبيعة وأنثن المرأة وأنثى العاطفة وأنثى القلب ” كلنا يلعب لعبة الذكر والأنثى ، لقد تعلمناها من المهد .”
إن التشريط الثقافي، حسب لغة هيرسكو فيتس، هو الذي يمسرح الحياة بعد توزيع الأدوار، وفق معايير سلوكية حفاظا على مصالح المتحكمين في قواعد اللعبة وواضعي شروطها، ومن يفعل ذلك غير الساسة؟ وكل من لا يلعب لعبة الاسلاميين “.
يفرد أفراد البعير المعبد ” فينسب للشرك والمروق حينا وإلى الهرطقة حينا آخر وإلى الفساد والخيانة حتى …
الإسلاميون يتصورون أن كل شرور الكون تأتي من النساء ، وأن الحل هو عزل النصف الاخر من المجتمع في انتظار منعه وسجنه في المنازل قريبا، وهاته العينة من الاسلاميين هي التي قامت بداية شهر رمضان بالصاق تلك الدعوات المخجلة على جدران طنجة، والتي تطالب فيها النساء والفتيات بعدم التبرج لكي يستطيع الذكور الصوم في سلام .
هاته العقلية المتخلفة، والتي لا ترى في المرأة الا الوعاء الجنسي الصالح لتفريغ المكبوتات ، والتي نتصور كل مرة اننا تخلصنا منها والتي تظهر لنا في هاته الومضات او ” الفلاشات ” المرعبة ، هي عقلية تعيش معنا وتحلم لنا بمجتمع على مقاسها وهواها ، تضع فيه النساء قرب الأطفال وقرب المتخلفين عقليا ، وتعتبرهن ناقصات عقل ودين ، وتؤمن انه يحق لنا ان نضيف اليهن عبارة ” حاشاك ” كلما ذكرناهن . وهذه العقلية لها مشكل مع نصفها السفلي الذي لا تستطيع له اشباعا ولا تعرف له ترويضا سويا ، ولا تملك ادوات التحكم العاقلة فيه وهو ما ينعكس على نصفها العلوي ويصعد لها مباشرة الى المخ ، ويدفعها دفعا نحو هاته التخيلات المرضية .
مشكلتنا مع هؤلاء الإسلاميين ستدوم طويلا بسبب عدم القدرة على التحكم في عضو من أعضاء جسدنا يعوض العقل في التفكير ، ويدفعنا دفعا كل مرة الى النزول الى هذا الحضيض ، ومناقشة ما اعتقدنا ونعتقد وسنظل على الاعتقاد ذاته ان البشرية السوية والحضارة السليمة قد تخلصت منه بشكل نهائي وتام ، بأن وجدت السبل السوية للتعايش معه وفق الحرية الفردية ومسؤولية على ما يرتكبه ويقترفه ويقوم به في حياته دون مساس بالاخرين .
الحب تجربة وجدانية تعاش ولا توصف ، هو أنبل وأسمى علاقة انسانية …واللغة عاجزة وقاصرة عن الإحاطة بالحب كاحساس داخلي وشعور عاطفي …واللغة في مجتمعنا ، في هذا المجال ، ليس أداة للكشف بل أداة للاخفاء ؛ ونجد انفسنا في كثير من الحالات امام من يخفي مشاعره ويداريها او من يتجمل ويظهر عكس الحقيقة
الحب تجربة ذاتية ، داخلية ، فانا لا استطيع نقل أو اخبار الآخر بعمق مشاعري ؛ عالمي مغلق لا يمكن للآخر ان يلجه ، ابواب عالمي موصدة في وجه الغير . كما أنه لا يمكن لي أن الج عالم الغير ، أبوابه موصدة في وجهي …الحب كالموت ، لا احد يموت مكاننا ولا أحد يستطيع ان يحب بدلا عنا…
يغيب التعبير عن الحب في مجتمعنا كما تغيب في الدارجة العبارة او الكلمة التي تعبر عن الحب ، كما يقع الخلط بين الحب والجنس ، وخصوصا بين الذكر والأنثى ، ولهذا لا نعترف بالحب ولا نمنح للمراهق رخصة الحب . وبشكل عام نلاحظ حضور العنف اكثر من الحب ، إذ نجد الام تقول لابنها مثلا ” سير الله يعطيك موتا اولد الحرام ” ، فعن اي حب نتحدث ؟ وأما العلاقة بين الفتى والفتاة فليست حبا ، بل هي انجذاب جنسي وعاطفي . ويخجل المغربي من التعبير عن مشاعره لانه لم يترب على الحب والحنان….
إن النساء يقدسن الحب ويعتبرنه شعورا ساميا وينتظرن الكثير منه ، في حين يؤمن المجتمع بقيم ” الرجولة ” و” الفحولة ” ، ويعتبر الحب ضعفا ولا قيمة.
إن نموذج ” الكوبل المنسجم ” ليس موجودا في المغرب ….إن الحب والرومانسية والحنان بالنسبة إلى الرجال، موجودة في الافلام فقط ، وليس في الواقع ، كما أنهم يعتبرون تعامل الرجل بلطف وحنان مع امراته امام الناس ، مدعاة للشك في سلوكه ( فهو إما خانها او يخفي عنها شيئا ) ، وطريقة يستعملها من أجل أن تسامحه ، فان يعانق رجل زوجته او يمسك بيديها امام الملأ “عار” و”مسخ ” في تصورهم ….
الحب شعور نبيل ، وهو أيضا تربية وثقافة …أجمل احساس …والأدب العربي والامازيغي زاخران بالاشعار والحكايات ، كما أن هناك ثراء كبير في التعبير عن الحب والمشاعر …
لنعمل جميعا، بصدق ونبل ، على تجذير قيم الحب والتسامح لمحاصرة الإرهاب والتعصب ومحاربة الحقد والعنف …
عبد السلام المساوي