بنزيمة يسجل أهدافا… في السوشيال ميديا!
كان أسبوعا كرويا حافلا في الجزائر، على السوشيال ميديا على الأقل. لا لقب كبير، ولا فتح رياضي مهم لا سمح الله، لكن مثلما كان متوقعا، لم تكن زيارة لاعب كرة قدم مشهور بحجم كريم بنزيمة لتمر في هدوء، بل تحولت لما يشبه سلسلة «نتفليكس» لما غذاها من دراما وتحولات «عميقة».
جاء بنزيمة للجزائر في زيارة هي الأولى للاعب الفرنسي من أصول جزائرية. كان أول المشاهد التي تفاعل رواد مواقع التواصل الاجتماعي معها، الاستقبال الذي حظي به عند نزوله من طائرته الخاصة، والتي تكررت في كل المدن التي مر بها تقريبا. انقسم الجمهور الافتراضي بين معجب بقدوم قائد نادي ريال مدريد السابق، وبين منتقد لتوقيت قدومه وحفاوة الاستقبال الرسمي والشعبي غير المستحقة بحسبهم. الرياضي ذو السبعة والثلاثين عاما لم يتذكر أرض أجداده سوى بعدما «بلغ من العمر عتيا»، على الأقل ذلك ما كرره كثر. بل على طريقة زين الدين زيدان الذي زار الجزائر لأول مرة بعد الحادثة التي شكلت منعرجا في مسيرته الكروية المميزة، بعدما اعتدى على مدافع الفريق الإيطالي ماتيرازي في نهائي كأس العالم 2006، والتي فقد معها الكثير من المعجبين واضطر لتقديم اعتذاره أكثر من مرة، وشارف الأربعين. وجاءت زيارة بنزيمة وهو يكاد يحال على التقاعد، بعد أن فشل حتى في تحقيق لقب مع ناديه السعودي اتحاد جدة، بعد أن انتهت مسيرته الدولية مع فرنسا وكبرى الأندية الأوروبية.
سفيرا للنوايا السياحية؟
كان ذلك الاقتراح الذي تداوله رواد السوشيال ميديا. التصريح الذي نسب لرئيس حزب سياسي مجهري، الذي بدا متحمسا جدا لتقديم حلول اقتصادية فعالة، مغتنما فرصة قدوم نجم الفريق الفرنسي السابق. الغريب أن بنزيمة الذي شغل «دنيا الله» الافتراضية الجزائرية لأزيد من أسبوع، لم يشارك على حساباته على السوشيال ميديا غير فيديو واحد يتيم من أعالي هضبة «مرجاجو» في وهران، غرب الجزائر.
ثم وبحسابات تجارية وتسويقية بسيطة، فالرجل سيئ السمعة، سبق له أن أدين في قضايا ابتزاز، كما ارتبط اسمه طويلا بمشاكل داخل الفريق الفرنسي، والتي قيدت شعبيا تحت بند العنصرية المنتشرة هناك. ثم… لحظة… نوايا سياحية؟ النوايا عموما حسنة، أو سيئة، لكن تفيئتها قطاعيا بحسب الأهداف منها، أمر نادر، بل يكاد يكون سبقا تسويقيا. عدا ذلك فنجم ليون السابق لم يذكر في أي من حواراته أنه يرغب في تقديم شيء للجزائر، عكس الموسيقي «ديجي سنايك» الذي كانت إجابته قطعية منذ سنتين بعد أن أنجز قطعة موسيقية إلكترونية حققت انتشارا واسعا رافقها فيديو كليب غاص في أجواء جزائرية خالصة، قائلا أنه «ليس موظفا لدى ديوان السياحة الجزائري».
في فرنسا حيث تقدر الجالية الجزائرية بالملايين، مرت زيارة بنزيمة للجزائر في صمت مريب. عدا بعد الصفحات المختصة بأخبار ذوي الأصول المغاربية والصفحات الرياضية، لم يذكر اسم بنزيمة الذي كان لسنوات وقودا لخطابات اليمين المتطرف الفرنسي. «زمور» و«لوبان» الابنة والحفيدة، وغيرهم، جعلوا من الرجل مادة لتحليلاتهم، ومثالا يستقرؤون به التغيرات الجذرية التي تضرب المجتمع الفرنسي الذي يسقط في فخاخ الراديكالية الإسلاموية خصوصا بعد أول رحلة حج للرجل. بل أخرجت له تسجيلات سابقة يؤكد لمحاوره أنه يعتبر نفسه جزائريا وأن فرنسا بلد للرياضة فقط، وهو الأمر الذي استدل به اليمينيون للتأكيد على ضعف اندماج أبناء الضواحي، والأجيال المتلاحقة من أبناء المهاجرين، قبل أن يخرج في حوارات متلفزة كثيرة لنفي الأمر. درس حفظه اللاحقون على ما يبدو، وعلى رأسهم كيليان مبابي الذي قرر ألا يتحدث كثيرا عن زيارته المرتقبة للجزائر حيث تعود أصول والدته، وهو الذي ترجاه الرئيس الفرنسي ماكرون شخصيا للبقاء في باريس سان جيرمان.
«معشوق سيئ الحظ» هو عنوان أغنية شعبية فرنسية، أداها مغن فرنسي من أصول مصرية يدعى كلود فرانسوا في السبعينات، يتحدث فيها عن شخص لا تتحقق شروطه في الحب، إذ لا ينال كفايته منه. وإن كان المدرب السابق للمنتخب الفرنسي ريمون دوميناك أشهر من حمل هذا اللقب بين الرياضيين (والذي كان بالمناسبة أيضا أشهر من أتهم بالعنصرية)، فيبدو أن بنزيمة هو الأحق به. لم تمر مشاركته لجماهير المنتخب الجزائري مشاهدة المباراة داخل ملعب «نيلسون مانديلا» بالعاصمة بدون إثارة عواصف إلكترونية. الرجل شاهد المباراة من خلف زجاج، الأمر الذي أثار حفيظة المتابعين (لو علموا قيمة بوليصة التأمين على حياته وكل شبر من جسده)، ووجدوا في الأمر استهزاء من القدرات التنظيمية، والأمن في البلاد. ولم تنته المباراة حتى استخرج لوح الرجل الذي لقبه البعض بـ«نذير الشؤم»، إذ خسرت فرنسا المونديال الوحيد (2022) الذي شارك فيه أساسيا، بل حتى فريق غينيا المتواضع هزم «محاربي الصحراء» في عقر دارهم وأمام جماهيرهم، والسبب: بنزيمة لا محالة.
المؤكد أن بنزيمة لن يخرج غدا ليروي تجربته في الجزائر، هو الرياضي الذي يفضل أن يلقب بـ«التائه»، الذي لم يقدر نفسه ولا مواهبه حق قدرها، بل سيحتاج وقتا لهضم ما عاشه خلال زيارته لبلد أجداده. لكن لن يكون إلا مثالا إضافيا عن مواطني ذلك البلد الثالث الذي يقع بين الجزائر وفرنسا. بلد متخيل، تصنعه الروايات الشفهية وذكريات الأصول. الواقع فيه مشوه، تحكمه صور نمطية، وتشرع قوانينه أحكام أسرية لم تؤثر فيها لعبة الزمن. بعيدة تماما عن واقع تقيل فيه السوشيال ميديا مدرب المنتخب (ما حدث لبلماضي نموذجا) وتعلق فيها خسارة فريق على وجود لاعب… عاشق سيئ الحظ!
غادة بوشحيط
كاتبة جزائرية
نقلا عن القدس العربي