نيويورك تخوض معركة ضد انعدام الأمن في مترو الأنفاق
يشكل مترو الأنفاق في نيويورك أحد أكبر شبكات النقل الحضرية في العالم، التي تشهد مرور ملايين الركاب يوميا.
بالنسبة للبعض، يتيح استخدام هذه الوسيلة للتنقل الحضري بين الأحياء الخمسة الشهيرة في الحاضرة الأمريكية، تجربة فريدة تسمح بتقدير جمالية الهندسة المعمارية لمحطات المترو، والخبرة التي مكنت من إنجاز منظومة للنقل متطورة ومرنة في الآن ذاته.
أما بالنسبة للبعض الآخر، فإن مترو أنفاق مدينة نيويورك يعد “مغامرة يومية” محفوفة بالخوف والقلق، بسبب شعور بعدم الأمان يتفاقم نتيجة الأعمال الإجرامية التي تكون بعض محطات مترو الأنفاق مسرحا لها.
ففي الفترة ما بين يناير ومارس الماضيين، وقعت نحو 538 جريمة في مترو أنفاق نيويورك، أي بمعدل ست جرائم يوميا، وذلك وفقا لأحدث الإحصاءات الرسمية الصادرة عن إدارة شرطة نيويورك.
وزادت معدلات العنف المسلح بـ700 بالمائة منذ مطلع السنة الجارية، فيما ارتفع عدد حالات الاعتقال في محطات أكبر شبكة للنقل في أمريكا الشمالية، بنسبة 53 بالمائة مقارنة بالعام السابق.
تزايدت حدة الضغوط على سلطات نيويورك سواء على مستوى الولاية أو على مستوى مجلس المدينة، بعد مقتل ثلاثة أشخاص في محطات في برونكس وبروكلين.
وبغية التصدي لهذه الظاهرة التي أضحت رهانا سياسيا مع اقتراب الانتخابات الرئاسية في 5 نونبر المقبل، أعلنت حاكمة ولاية نيويورك، الديمقراطية كاثي هوكول، عن نشر ألف من وحدات الحرس الوطني والشرطة في محطات المدينة.
وكانت الحاكمة الديمقراطية قد صرحت، خلال مؤتمر صحافي، بأنه “لن يتم التسامح مع هذه الهجمات الشنيعة ضد منظومة المترو”، مبرزة أن هذه العملية تروم مساعدة شرطة نيويورك على تعزيز مراقبة حقائب الركاب في المحطات الأكثر ازدحاما.
وتعهدت كاثي هوكول أيضا بنشر كاميرات مراقبة إضافية، وأعلنت عن مشروع لتسهيل حظر الوصول إلى المترو في حق الأشخاص المدانين بمهاجمة موظف في منظومة النقل.
في السياق ذاته، أعلن عمدة مدينة نيويورك، الديمقراطي إريك آدامز، عن نشر ألف ضابط إضافي يوميا في محطات مترو الأنفاق، مضيفا أن إدارة الشرطة تعتزم تعبئة حوالي 94 فريق مراقبة أمني لتفتيش الأمتعة، أسبوعيا، في محطات المترو الـ136 في جميع أنحاء المدينة.
وفي مقال نشرته صحيفة “نيويورك تايمز”، اعتبرت الصحافية آنا لي أن “هذه الإجراءات تعكس وعي المسؤولين بأن سلامة مترو الأنفاق تعد أمرا بالغ الأهمية بالنسبة لنيويورك بشكل عام”.
بدوره، اعتبر الرئيس المدير العام لهيئة النقل الحضرية، جانو ليبر، أن هذه المبادرات ستساهم في تعزيز سلامة وراحة مستخدمي المترو يوميا.
يقول ماتيو بياسين، وهو مهندس يقطن بنيويورك، “أشعر بأمان أكبر عندما أرى رجال الشرطة على أرصفة” مترو الأنفاق.
ووفقا للبيانات التي قدمها مراقب المدينة، فقد أنفقت نيويورك ما مجموعه 821 مليون دولار على العمل الإضافي لعناصر الشرطة الذين تم نشرهم في محطات المترو خلال 2023. وتم تخصيص ما يناهز 89 مليون دولار من هذا المبلغ للعناصر التي تقوم بدوريات في نظام النقل العام.
وعلى الرغم من تأثيرها الملحوظ في خفض معدل الجريمة، إلا أن هذه التدابير لا تحظى بالإجماع لدى ساكنة نيويورك. فبالنسبة لخبراء مثل كريستوفر هيرمان، الأستاذ في كلية جون جاي للعدالة الجنائية، يتعين التصدي للأسباب الجذرية لهذه الظاهرة، لا سيما الاجتماعية والاقتصادية وتلك المرتبطة بالصحة العقلية.
من جانبه، اعتبر دانييل بيرلستين، مدير التواصل في منظمة “رايدرز ألاينس”، أن “هذه التدابير تمثل استجابة استباقية، لكنها لا يمكن أن تشكل حلا في المرحلة البعدية. يجب أن نجد حلولا للأشخاص الذين يعانون من اضطرابات عقلية ومن إدمان المخدرات، والذين غالبا ما يكونون السبب وراء حوادث العنف في محطات المترو”.
وبعيدا عن مدى خطورة هذه الظاهرة، يرى ملاحظون آخرون أن الأمن في مترو الأنفاق يخضع على الدوام للتسييس في نيويورك، معتبرين أن الإجراءات التي يتخذها المسؤولون الديمقراطيون، الذين يسيرون المدينة، تهدف إلى كسب تأييد الناخبين في نيويورك، وذلك مع اقتراب الاستحقاقات الرئاسية المقررة في نونبر المقبل.
في هذا الصدد، قالت الصحفية آنا لي إن الجمهوريين استغلوا، في 2022، ارتفاع معدلات الجريمة للفوز بانتخابات الكونغرس على مستوى الولاية.
من جانبها، لاحظت بيتسي ريد، رئيسة الطبعة الأمريكية لصحيفة “ذا غارديان” البريطانية، أن الإجراءات التي أعلنتها الحاكمة الديمقراطية “تتزامن مع تغطية واسعة النطاق من طرف وسائل الإعلام اليمينية للجريمة في مترو الأنفاق”.
وسواء خضعت هذه القضية للتسييس أم لا، فإن سكان مدينة نيويورك يعتبرون أن تعزيز السلامة بالنسبة يظل ضرورة ملحة ضمن شبكة النقل التي تربط المراكز الرئيسية لكبرى حواضر الولايات المتحدة.