لوعة الادمان في كرة القدم!
ما زال المسؤولون في عالم الرياضة يتعاملون مع النجوم على أنهم آلات بشرية في ظل القوانين الصارمة التي تسلب آدمية الرياضي بعقوبات تزيد عليه المتاعب ولا تحلها.
ما زالت السياسات لا تتغير، من توفير الاغراءات وعوامل السقوط في المحظور، وصولاً الى اصدار عقوبات رادعة من دون ايجاد حلول لجذور المشكلة، وآخرها توجيه الاتحاد الانكليزي لكرة القدم، 50 تهمة بحق لاعب وسط نيوكاسل، الإيطالي ساندرو تونالي، تتعلق بالمراهنة على مباريات، ما يعني أن عقوبات اضافية تنتظر اللاعب، حيث حصلت هذه الانتهاكات المزعومة لقواعد الاتحاد الانكليزي بين 12 آب/اغسطس 2023 و12 تشرين الاول/اكتوبر 2023. وكان الاتحاد الدولي (فيفا) صدّق على قرار السلطات الإيطالية بإيقاف اللاعب لمدة 10 شهور بسبب مراهنات رياضية غير مشروعة في أكتوبر من العام الماضي.
ومن المؤكد أن هذه العقوبة ستحرم تونالي (25 مباراة دولية) من المشاركة مع منتخب بلاده في كأس أوروبا 2024، وسيعود الى الملاعب مطلع موسم 2024-2025، أي أن نجماً يافعاً له مستقبل واعد سيحرم من ممارسة اللعبة التي يمتهنها ويعشقها، بسبب المراهنات، والتي سبق ان كشف وكيل أعمال تونالي، الذي انضم الى نيوكاسل من ميلان الايطالي في تموز/يوليو الماضي مقابل 67 مليون دولار، انّ اللاعب يعاني من ادمان على المراهنات، وهو أوقف بسبب مراهنات رياضية غير مشروعة بعد تحقيقات اجرتها السلطات القضائية الايطالية والاتحاد الايطالي، مع الظروف المشددة المتمثلة في المراهنة على مباريات فريقي بريشيا (2017-2020) وميلان (2020-2023) عندما كان يدافع عن ألوانهما. وستكون العقوبة مصحوبة بالتزامات علاجية لوضع حد لإدمانه على المراهنات وتغريمه أيضا مبلغ 20 الف يورو.
المثير للدهشة والسخرية، أن الاتحادات الكروية، بينها الاتحادان الانكليزي والايطالي، يسمحان باعلانات مكاتب المراهنات في كل بقعة وزاوية من الملاعب وعلى قمصان الأندية وعلى شاشات التلفزيون في اعلانات تسبق المباريات وخلالها وبعدها، أي أن من لديه نية مفرطة في المراهنة على المباريات لن يتم علاجه عبر الدخول في أجواء مباريات كرة القدم، وبالتالي ستكون فكرة «العلاج من الادمان» وهماً، خصوصاً أن الادمان على المراهنات، هو من النوع «الخفي»، وليس مثل الادمان على الكحوليات أو المخدرات، التي يكون صاحبها في حالة جسدية واضحة أنه يعاني.
تونالي ليس النجم الضحية الاول في عالم المراهنات، فقبله حرم مهاجم برنتفورد الانكليزي آيفان توني أيضا بسبب مخالفات مماثلة، وعوقب بالإيقاف لثمانية شهور مع تغريمه 50 ألف جنيه إسترليني، إثر ارتكاب 232 انتهاكا لقواعد المراهنات لدى الاتحاد الإنكليزي. وعاد توني إلى الملاعب في يناير/كانون الثاني الماضي واستدعي الى تشكيلة المنتخب الإنكليزي الأخيرة، وسجل هدفاً أمام بلجيكا يوم الثلاثاء الماضي في مباراة ودية.
عقوبة الحرمان شهوراً طويلة للاعب أدمن القمار والمراهنات، كمعاقبة لاعب بسبب شعره الطويل أو أنفه المعكوف، أي أن الادمان قد يكون بسبب وراثي، واذا كانت المراهنة على نتائج المباريات محرمة على اللاعبين، فلماذا يتم الترويج لها في كل ما يتعلق بالمنتج الرياضي؟ أي ان الاتحاد الكروي يمهد الطريق ويسهل وصول الضحية الى مكاتب المراهنات ثم يعاقبه.
هناك ادمان من نوع آخر في عالم كرة القدم، والمتعلق بالعقاقير والمنشطات، والتي كان آخر ضحاياها النجم الفرنسي بول بوغبا، الذي عوقب بالايقاف 4 سنوات، أي نهاية مسيرته بشكل منطقي، رغم أن الجميع يتفق على المبدأ، من جهة محاولة نجم رياضي التفوق على نظرائه بمساعدة المنشطات لزيادة قدرته الجسدية، وهو ممنوع ومحرم في الواقع في كل الرياضات، وليس في كرة القدم فحسب، ولهذا لا نجد اعلانات تعج في كل المدرجات والحلبات الرياضية تروج لتناول هذه المنشطات، على عكس المراهنات، وأيضا لهذا السبب نجد صرامة في التعامل مع الرياضيين خصوصاً في الألعاب الفردية كألعاب القوى والتنس الملاكمة.
في عقدي الثمانينات والتسعينات، انتشرت عادة بين لاعبي كرة القدم في الدوري الانكليزي باحتساء الكحول بشراهة بعد نهاية كل مباراة، وبعض الاحيان قبلها، ليبرز جيل من الرياضيين كثير منهم مدمنو كحول، ما أثر على حياتهم وبالتالي على عطائهم في الملاعب، ومن أبرزهم نجم كأس العالم 1990 بول غاسكوين وجناح أرسنال بول ميرسون، الى أن بدأت هذه الثقافة تتغير بدخول المدربين الاجانب عالم الدوري الانكليزي، وعلى رأسهم المدرب الفرنسي آرسين فينغر، الذي اشتهر مع ارسنال، لتتبدل المشروبات الروحية الى مشروبات طاقة وأخرى صحية، لكن بعد حملة كبيرة من المدربين الأجانب، نجحوا فيها باقناع الاتحاد الانكليزي في تحريم اعلانات المشروبات الكحولية على قمصان اللاعبين، أي منع الترويج لها، وبالتالي امتنعت شهية اللاعبين عن التفكير فيها، على غرار المثل «ما لا تراه العين لا يشتهيه القلب».
الأمر بين يدي الاتحادات الكروية، وليس بين أيدي اللاعبين، فاذا كانت هناك قوانين صارمة للحد من انشار الاعلانات المروجة للرهان والقمار في كل بقعة من ملاعب كرة القدم، فان فرصة ادمان نجوم مثل تونالي وتوني ستكون أقل بكثير.
خلدون الشيخ/ نقلا عن القدس العربي