لقد كان عاما مليئا بالفضح

انتهت سنة 2023 كما بدأت، حروب وقتل ودمار ودماء، ففي شرق أوروبا كانت تدور حرب طاحنة بين طرفين، أحدهما قوي وآخر ضعيف تجند العالم كله ليساعده بحكوماته ومنظماته السياسية والمدنية والاغاثية والانسانية والاغاثية والثقافية وحتى الرياضية، حتى لا ينتصر المعتدي حسب هذا العالم، ويدافع عن المعتدى عليه أو على الضحية بكل السبل المشروعة وغير المشروعة حتى، حسب هذا العالم.

ومع قرب نهاية العام شهد العالم حربا جديدة أشرس وأقسى من الأولى، أكثر تدميرا وفتكا ودماء، في حق شعب أعزل لا يملك حتى ربع مقدرات وإمكانات ضحية الحرب الأولى التي هب العالم كله لنصرتها في مواجهة غزو روسيا لها، لكن هذه المرة لم يبد هذا العالم أي فعل تجاه الضحية، بل ساند وبكل قوة وإمكانات وطوع المنظمات والقانون الدولي والانساني وهيئات الاغاثة ومؤسسات الثقافة والرياضة لتخذم المعتدي والقاتل هذه المرة، بالرغم من حجم الدمار الواسع أضعافا على ما كان في ماريوبل وآزوف ومدن شرق أوكرانيا واعداد الموتى والمفقودين في شهرين أضعاف مضاعفة لما قتل في عامين في اوكرانيا، إلا أن هذا العالم سير الجسور الجوية والبحرية دعما بالسلاح والمال والمعدات وحتى الرجال هذه المرة للقاتل والمعتد وليس للضحية، هكذا فضحتهم 2023.

جزى الله عنا هده السنة فقد فضحتهم، كما تفعل الشدائد دائما فهي تكشف معدنهم وتفضح المتسترين، لقد كشفت أن المجتمع الدولي لا يطلق سوى على سكان ما فوق البحر المتوسط واحفادهم في الشرق وشمال الأطلسي، أما نحن في المنطقة فلا مجتمع دولي ولا شرعية دولية تشملنا سوى حينما سيفرض علينا قرارا فرضا أو سينخر منا موقف أو سياسة حتى العظم، هكذا يُسلط علينا المجتمع الدولي نحن فقط، ويسلِّط علينا نحن فقط قوانينه المسماة إنسانية وأعرافه المدعاة الشرعية.

لقد كان عاما مليئا بالفضح، حيث مشاهد اشلاء الأطفال والنساء والشيوخ والمدنيين متناثرة في الشوراع والأزقة، وتحت الأنقاض وأمام الكاميرات، لا تستدعي تدخلا ولا حتى موقفا لمجلس الأمن أو لرؤساء العالم الحر والمتحضر كما يحبون أن يصفو به أنفسهم، كما هو الحال لمنظماتهم الغارقة في الاستعلاء والتمييز والتجاهل حد التحامل والتورط صمتا.

لقد كان عاما مليئا بالفضح، حيث تداعى مسؤولو ورؤساء دول “العالم الحر” لمساندة المعتدي ومحاصرة الضحية ومنع الدواء والطعام والملجأ عنه حتى يبدا أمام الشاشات والمؤتمرات، فقط لأنهم ليسو من بني جنسهم الأصفر، بينما هبو لمنح الدعم سخيا من سلاح ومال وملجأ لمن اعتبروه ضحية منهم، وخلطو الرياضة بالسياسة ومنعو كل رياضي ومثقف لاعتلاء المضمار أو المنصة وضيقو عليهم لمجرد حملهم جنسية المعتدي حسب منطقهم، بالمقابل عاقبو كل من رفع الصوت في المضمار أو في المنصة والخشبة دعما لطفل مقتول أو لشيخ هجر أو لمرأة تكلى.

لقاد كان عاما مليئا بالفضح حينما كان الصمت موقفا مخزيا، مناصرا للجرم المشهود أمام العالم كله، حيث فضح كل المعايير المزدوجة والقوانين الجوفاء وللمنظمات العرجاء ، فضحتهم هذه السنة جميعا دون رحمة حيت التاريخ لا يرحم.

ادريس بيگلم/ باحث في العلوم السياسية بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء

مقالات ذات صلة