عنترة يكتب.. لماذا يجب التذكير بالمرتكزات المؤسسة للأمة المغربية؟

 

جدد جلالة الملك محمد السادس في خطابه بمناسبة افتتاح السنة التشريعية الجديدة بالمغرب 2023-2024 التأكيد على المرتكزات المؤسسة للامة المغربية في سياق تطورات الوضع داخل المغرب وخارجه، وتحديدا ما عرفته بلادنا إثر فاجعة زلزال الحوز وما شهده العالم في السابع من أكتوبر 2023 من أحداث “طوفان الأقصى”، وغير ذلك من الوقائع التي أصبحت مسرحا لعالمنا في الزمن الراهن.
لقد دأب جلالة الملك محمد السادس إعتبارا لموقعه المركزي داخل الحقل السياسي المغربي على أن يعيد التذكير في كل مناسبة بالقيم المؤسسة للأمة المغربية، وقد تتبعنا ذلك بعد الأحداث الإرهابية الأليمة التي ضربت العاصمة الاقتصادية للمملكة الدار البيضاء في 16 ماي 2003، ثم تتبعنا ذلك في خطاب 9 مارس 2011 في سياق ثورات “الربيع العربي” وتداعياتها على بلادنا.
نجد القيم الدينية والروحية في مقدمة القيم المؤسسة للأمة المغربية العريقة، فإسلام المغرب سني مالكي، قائم على إمارة المؤمنين، يتسم بالوسطية والاعتدال والانفتاح على الآخر والتسامح والتعايش مع مختلف الديانات والحضارات، وهو ما يجعل من المغرب فعلا أرضا للعيش المشترك بين المسلمين واليهود في احترام باقي الديانات والثقافات الأخرى.
وتشكل إمارة المؤمنين إحدى الخاصيات التي يتمتع بها النظام السياسي بالمغرب، ذلك أن الملك يحتكر مجال الإنتاج الرمزي داخل الحقل الديني ويشرف على عملية تدبير وتوجيه الفاعلين داخله، ويضمن حرية ممارسة الشؤون الدينية.
يعود إدراج إمارة المؤمنين في أول دستور للمملكة المغربية سنة 1962 إلى الدكتور عبد الكريم الخطيب (مقرب من القصر الملكي) بمباركة من علال الفاسي مؤسس حزب الإستقلال. وقد حظيت باهتمام كبير من قبل الباحثين الجامعيين، و انجزت حولها العديد من الدراسات الأكاديمية العلمية، وكان يرمز إليها في الفصل التاسع عشر قبل ان تتحول إلى الفصل الواحد والاربعين في الإصلاح الدستوري الأخير الذي عرفته المملكة سنة 2011.
مكنت إمارة المؤمنين الملك من احتكار الشأن الديني وإبعاده عن مختلف الفاعلين، وتوفير الارضية لإسلام متسامح ومعتدل، وتجنيب البلاد من الغلو والتشدد وتحقيق الأمن الروحي للمغاربة.
يتعلق ثاني مرتكز مؤسس للأمة المغربية، بالملكية كمؤسسة لها امتداد تاريخي عميق، تحظى بإجماع كافة المغاربة، قائمة على روابط البيعة بين العرش والشعب، وتشكل عماد توحيد المغاربة، وكذلك إطارا جامعا للهوية الوطنية الموحدة الغنية بتنوع روافدها.
وتجدر الإشارة إلى ان دستور 2011 ضم مكونات هذه الهوية كسلوك يعكس نضج ووعي الدولة بأهمية التعدد اللغوي والتنوع الثقافي كمعطى طبيعي يتسم به المجتمع المغربي، وايضا كضرورة لتدبيره وفق آلية دستورية مؤسساتية ناجعة.
ثالث هذه المرتكزات المؤسسة للأمة المغربية تتمثل في قيم التضامن والتماسك الاجتماعي بين الفئات والأجيال والجهات، والتي جعلت المجتمع المغربي كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا. وهي القيم التي تبرز في أحداث وطنية كبرى، إذ ظهرت بقوة بمناسبة أحداث زلزال الحوز وقبل ذلك خلال جائحة ” كوفيد 19″، وشكل تشبع المغاربة بهذه القيم موضوع إنبهار الجميع في كونه مجتمعا إعتمد على استثمار موارده وطاقاته الذاتية وواجه مصيره بيده، في وقت تراجعت فيه مثل هذه القيم ولم يعد لها أي أثر في مواقع جغرافية من الكرة الأرضية.
إن هذه الأسس والمرتكزات والمحددات المشار إليها، تشكل جميعا خصوصية الأمة المغربية الضاربة في جذور التاريخ الطويل والعميق كما قال جلالة الملك في خطابه بمناسبة الذكرى الثامنة والستين لثورة الملك والشعب، المبنية على قيم وطنية جامعة كرسها دستور المملكة المغربية في إنسجام مع القيم الكونية، تمثل الأساس الصلب للوحدة الوطنية وروح إستكمال تحرير التراب الوطني وتحديدا الصحراء المغربية وتماسك المجتمع المغربي.
إنها خصوصية الأمة المغربية الفاعلة في التاريخ، والتي تشكل إستثناءا في شمال أفريقيا والشرق الأوسط يستعصي فهم دلالاته وابعاده من قبل الآخر.

 

بقلم مصطفى عنترة
حاصل على الدكتوراه في العلوم السياسية والقانون الدستوري، نشرت له مجموعة من الدراسات والأبحاث العلمية، وكاتب رأي في منابر دولية.

مقالات ذات صلة