البنية التحتية بمنطق الجفاف: حين تتحول الأمطار إلى فاجعة مُكرّرة

بقلم: الدكتور عبد الإله طلوع
كاتب رأي

لم تعد الفيضانات في عدد من المدن المغربية أحداثًا استثنائية، بل تحولت إلى مشاهد موسمية تعرّي اختلالًا بنيويًا عميقًا في تصور وتدبير البنيات التحتية.

فالمشكلة لا تكمن في غزارة الأمطار في حد ذاتها، بل في كون هذه الأمطار تفضح هشاشة مشاريع أُنجزت وكأن البلاد تعيش جفافًا أبديًا.

ما نراه اليوم هو بنيات تحتية غير مهيأة للأمطار، طرقات تُنجز دون احتساب أدنى معايير تصريف المياه، أحياء سكنية تُبرمج دون شبكات فعالة للصرف، ومجاري مائية تُطمس أو تُهمل باسم التعمير السريع والربح العقاري، النتيجة واحدة: أولى التساقطات تكفي لتحويل المدينة إلى برك مائية، وتعطيل الحركة، وتهديد سلامة المواطنين.

المسؤول الذي يبرمج البنيات التحتية بمنطق الجفاف يتحمل مسؤولية سياسية وأخلاقية وقانونية. لأن التخطيط العمومي ليس تمرينًا تقنيًا محايدًا، بل هو فعل تقديري يفترض استحضار المخاطر المحتملة، وفي مقدمتها المخاطر المناخية التي لم تعد طارئة ولا غير متوقعة، التقارير الوطنية والدولية كلها تحذر من تواتر الظواهر المناخية القصوى، ومع ذلك ما زال التدبير المحلي يتصرف وكأن هذه التحذيرات غير موجودة.

غياب قنوات تصريف المياه ليس خطأ بسيطًا في الإنجاز، بل هو مؤشر على خلل في الحكامة، هو نتيجة منطق يعتبر البنية التحتية مجرد إسفلت ظاهر، لا منظومة متكاملة تبدأ من الدراسات التقنية وتنتهي بالصيانة والمراقبة. فكم من مشروع دُشن بالأضواء والكاميرات، لكنه سقط أمام أول اختبار حقيقي: المطر.

الأخطر من ذلك هو تطبيع الفشل. فبعد كل فيضان، نسمع نفس الخطاب: أمطار استثنائية، تساقطات غير مسبوقة، قوة قاهرة، وكأن الطبيعة هي المتهم الدائم، بينما يغيب النقاش الجدي حول المسؤولية التقصيرية، وربط المحاسبة بالفعل التنموي، ومدى احترام دفاتر التحملات ومعايير السلامة.

إن التنمية الحقيقية لا تُقاس بعدد المشاريع، بل بقدرتها على حماية الإنسان وصون كرامته.

والبنية التحتية التي تغرق مع أول مطر ليست تنمية، بل عبء إضافي على الدولة والمجتمع. هي هدر للمال العام، وتهديد للأمن المجالي، ودليل على ضعف الرؤية الاستشرافية.

لقد آن الأوان للانتقال من منطق التدبير بردّ الفعل إلى منطق الوقاية. من التخطيط القصير النفس إلى التخطيط المبني على الاستدامة والعدالة المجالية. فالمطر ليس عدوًا، بل نعمة تتحول إلى نقمة فقط حين تُدار المدن بعقلية الجفاف.

وإلى أن نُغيّر هذا المنطق، ستظل كل سحابة ممطرة إنذارًا، وكل فيضان شهادة إضافية على أن الخلل ليس في السماء، بل في طريقة تدبير الأرض.

مقالات ذات صلة