عندما يبدع السياسي في الدخول والخروج في الكلام!

لا أحد يمكن له في هذا الوطن بل في العالم العربي المتشرد، والعزيز علينا جميعا! أن ينكر التناقض الكبير والصارخ بين الأقوال والأفعال، والذي أمسى السمة الغالبة التي تطبع ثقافة المجتمعات العربية.
تلك المجتمعات الحاضنة لفئات اجتماعية متنوعة، والذي يتزعمهم السياسي الذي يدخل ويخرج في الكلام بصفة دورية، إن لم نقل مسترسلة باستمرار، بدون حرج، مبررا ذلك بمتطلبات المرحلة! مرورا بالمستثمر الذي أصبح يقدس المال لدرجة الجنون، والدفع بالعودة للعصور الوسطى والحجرية، وذلك بتحويل العلاقة بين الأجراء وأرباب العمل، إلى علاقة مبنية على الخوف الدائم والابتزاز وغير ذلك، ناهيك عن التهرب الضريبي، الذي ينتج عنه ضياع الملايير على مداخيل الدولة، وانتهاء بباقي أفراد المجتمع الذين ينهمكون في ثقافة مليئة بالحقد الإجتماعي والحسد السيكولوجي، والغيرة المدمرة للأشخاص، والأسر، وعرقلة النجاح للناجحين، وتدعيم ومساند تفاهة الفاشلين، وز على ذلك كثير.
لكن رغم ذلك يبقى التعميم خاطئا مادام الشرفاء موجودون في كل المهن، والوظائف، والأفراد، والتجمعات السكانية، وفي كل مكان وزمان.
بيد أن التناقض الغريب والعجيب، هو عندما تطرح مسألة الأغلبية، والتمسك بما يسمى برأي عام محرك للمياه الراكدة، في الكثير من المجالات، كرأي ثابت صادق، له ماله وعليه ما عليه!
بل هناك من لا يحلوا له الحديث عن أغلبية تابعة! فيعطي لها الشرعية الدائمة والمزيفة واقعيا، لمجابهة المعارضين والفاضحين للتجاوزات المختلفة، سواء كانت تلك الانحرافات مالية أو منصبية، أو أخلاقية قيمية.
ومن تناقضات ما يسمى “رأي عام الأغلبية”، نذكر سبيل المثال لا الحصر، بعض الغرائب في هذا المضمار، أو نلخصها فيما يلي:
-الأغلبية تقبل على التفاعل مع التفاهة بكثرة وتمر مرور الكرام على إبداعات أهل المعرفة والعلم!
-الأغلبية تتفاعل مع من يمتلك سلطة ما، أو جاها ما أو مقربا من شخصية عمومية، وتتنكر له عند سماعها بفقدان أحد هذه الركائز!
-الأغلبية تدعوا للنظافة، وحين ننظر لواقع حالها نجد أن القمامة لا توضع لا في مكانها الصحيح، ولا يتم اخراجها في وقتها المحدد!
-الأغلبية تنساق للمظاهر الخداعة ولا تبالي بجوهر الأفكار وقلوب الناس الطيبين مهما كان انتماؤهم الإجتماعي!
-الأغلبية تنتقد الآخرين عند الوقوع في هفوات ما، وترفض من ينتقدها!
– الاغلبية تنساق وراء التهيبج السريع لوسائل الإعلام وتنسى بسرة المآسي التاريخية التي تجرعت مرارتها عبر سنون من الزمن.
– الأغلبية غارقة في وهم الذاتية وأفعالها وسلوكياتها المعددة الأبعاد في واد أما شعاراتها وأولها في واد عميق آخر..وزد على ذلك كثير..
لذا، فلا يعقل بتاتا القول أن المقارنة ممكنة بين انفسنا بشعوب تقول ما تفعل، فنحن للأسف نبدع في تبرير التناقض بين الأقوال والأفعال، في أفكارنا، وسلوكاتنا المتناقضة والبدائية في بعض الأحيان، والتي تطبع الشخصية الاجتماعية لمجتمع لا زال تائها في ثقافة الانكار، والتحليل والتحريم حسب الأهواء، والمناصب، والاديولوجيات المتنوعة! ونقدم صيغة وهمية تعطي لأنفسنا تسمية ملخصها “نحن نمثل رأيا عاما”!
منير الحردول