ما دلالات تعيين سفير للسعودية في فلسطين؟
في خطوة أخرى دالة على قرار سعودي كبير بانتهاج ديناميّة سياسية واسعة، إقليميا وعربيا وعالميا، قدّم السفير السعودي في الأردن، نايف بن بندر السديري، نسخة من أوراق اعتماده سفيرا فوق العادة، مفوضا وغير مقيم لدى فلسطين، وقنصلا عاما بمدينة القدس المحتلة، إلى مستشار الرئيس الفلسطيني محمود عباس للشؤون الدبلوماسية.
تأتي الخطوة على خلفيّة هجوم دبلوماسيّ أمريكي يهدف لتطبيع سعودي ـ إسرائيلي، وهو هجوم تتعامل معه القيادة السعودية ضمن سياقين، الأول يسعى لتحصيل مكاسب داخلية كبيرة، ومنها الحصول على ضمانات عسكرية ملزمة للولايات المتحدة الأمريكية بالحفاظ على أمن المملكة، وحصولها على التقنيات الغربية اللازمة لإنشاء مفاعل نووي يستخدم اليورانيوم السعودي (مقارنة بالمشروع الإماراتي الذي يلتزم بالحصول على وقود من الخارج)؛ والثاني يفرض على إسرائيل تسوية مرضية للمسألة الفلسطينية.
حسابات الإدارة الأمريكية لموضوع التطبيع السعودي مع إسرائيل، تندرج ضمن محاولة واشنطن استعادة دور الرياض الإقليمي والعالمي في استراتيجياتها الكبرى التي يشكّل الصراع مع روسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية أهم أولوياتها، وهو الدور الذي أظهرت الرياض عواقب استثماره خارج تلك الأجندة الأمريكية.
فتح الاجتياح الروسي لأوكرانيا، والصدع العالمي الذي نشأ بسببه، مجالا للقيادة السعودية لإظهار أشكال الاستياء من إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن الديمقراطية، وأظهرت الرياض، بعد ذلك الحدث، قدرتها على التأثير السياسي، عبر التعاطي الإيجابي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وكذلك عبر فتح خطوط واسعة مع بكين، كما فاجأت العالم بمصالحتها مع إيران، وكشفت هذه الدبلوماسية، لواشنطن، ضرورة إعادة برمجة سياستها الخارجية تجاه السعودية وولي عهدها، الممسك بزمام السلطة، محمد بن سلمان.
يبدو التوجّه الأمريكي لدعم تطبيع السعودية مع حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرّفة إعلاء لمبادئ الاستراتيجية الأمريكية، وتغافلا متعمدا لوقائع توطد أسس تحالف أحزاب الصهيونية الدينية ومشروعها الواضح في إلغاء أسس الدولة الفلسطينية، وضم الضفة، وتهويد القدس، وإعادة بناء هيكل سليمان مكان المسجد الأقصى الخ…
تعرض الخطّة الدبلوماسية الأمريكية، من جهة أخرى، على إسرائيل المتأزمة بين معسكرين، صفقة كبرى مع العرب تفترض أن التحالف الإسرائيلي الحاكم سيتخلّى عن الأهداف التي انتخبه جمهوره المتطرّف لتحقيقها.
على المستوى الفلسطيني، يمكن احتساب القرار السعودي الأخير ضمن جملة اعتبارات ممكنة. يعني وجود سفارة للسعودية في فلسطين، بداية، أن فلسطين سيكون لها سفارة أيضا في الرياض، بعد أن كان الموجود هو مكتب لمنظمة التحرير فحسب، وهو اعتراف عملي بدولة فلسطين. كما يمثّل الإعلان عن تعيين السديري قنصلا (غير مقيم) في القدس، إشارة مهمة أخرى لتبنّي مطلب الفلسطينيين باعتبار القدس عاصمة لدولتهم، كما يمثّل رسالة لإسرائيل برفض فرض سيادتها على المدينة المقدسة للأديان الثلاثة.
عبّر وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، عن هذه الفكرة بتصريح يؤكد أن التطبيع و«الاستقرار الحقيقي» على حد تعبيره، «لن يأتي إلا بإعطاء الفلسطينيين الأمل، من خلال منحهم الكرامة، وهذا يتطلب منحهم دولة».
أما وزير الخارجية الإسرائيلية، إيلي كوهين، والذي كان قد أكد، قبل أيام، أن التطبيع مع السعودية هو «مسألة وقت فحسب» فقد ردّ على الخطوة السعودية بإعلان إن تل أبيب لن تسمح «بفتح أي ممثلية دبلوماسية للفلسطينيين بشكل فعلي من نوع أو آخر في القدس».
بين هذه الخطوط المتشابكة التي يشكل الصراع الدموي المعقد بين الفلسطينيين والإسرائيليين بؤرتها، ومصالح العرب وجيرانهم، واشتباك الأجندات بين المحور الأمريكي ـ الغربي وخصومه، ستتحدّد، بشكل أو بآخر، مصائر المنطقة.
نقلا عن القدس العربي