“يوم الريف” بالجزائر.. فقاعة صابون

إدريس بيكلم: باحث في العلوم السياسية

في جديد خرجاتها البهلوانية، أقدمت الجزائر على تنظيم ما سمته بـ “يوم الريف”، لدعم ما تسميه بحركة “استقلال الجمهورية الريفية”، واذا كان الأمر مجرد تنطع جديد، من جانب ساكني قصر المرادية، يراد به استفزاز المملكة بأي وجه كان، ولو على حساب كل القيم ومبادئ حسن الجوار، فإن الأمر يكشف كذلك زيف شعارها الذي رفعته لأزيد من أربعين سنة بخصوص قضية الصحراء المغربية، كونها مدرجة في ملفات تصفية الاستعمار بالأمم المتحدة، وحيث أن الجزائر ما فتئت تبرر تدخلها في هذا الملف بكونها تتبنى حقوق الشعوب في تصفية الاستعمار.

والحالة هذه ومع ما قامت به اليوم يتبين من جديد أن تبنيها لجبهة البوليساريو الانفصالية، ليس من باب ما تدعيه، بقدر ما كانت أداة لمشاكسة المغرب، وفرض واقع متسم بالحرب واللاستقرار عليه، حتى لا يتجاوز الجزائر سياسيا واقتصاديا وفي كل المجالات وحتى تحقق وهم الزعامة إقليميا وقاريا، وها هي اليوم تخلق وتتبنى من جديد قضية لا أحد سمع بها أمميا وإقليميا سوى جنرالات عسكرها، وستدعي فيما بعد أنها ارث استمعاري يقتضي تصفية الاستعمار فيه.

وحيث أن لا أحد سمع بهذه القضية، فحتى الحاضرين في المسرحية “المؤتمر” الحزائري، لم يكونو سوى عدد من الذين يلاحقهم القضاء المغربي في تهم مختلفة بعيدة عن الاعتبارات والقضايا السياسية، ولأن الغاية تبرر الوسيلة فالمراد الجزائري ليس شرعية القضية من عدمها، بل استمرار التصعيد جهة المغرب، وافتعال القلاقل واحدة تلوى الأخرى، حتى لا ينطفئ فتيل الصراع البارد حاليا، وحتى يمكن إشعاله حقيقة في أي وقت تريد، وهي تسعى حقيقة لذلك، وهذا ما صرح به وزير الخارجية ناصر بوريطة لأول مرة، كون الجزائر تسعى لجر المغرب للحرب.

كلام بوريطة ليس عاديا ولا يجب أن يمر مرور الكرام، لأنه أولا صدر عن مسؤول مغربي بارز، ما يعني أن الأمر تجاوز تصريحات وتقديرات خبراء أو محللين أو حتى زعماء وقادة احزاب سياسية، بل هو كلام رئيس الديبلوماسية المغربية، أحد وزراء السيادة في حكومة المغرب، وما ينطق من تلقاء نفسه، بل من خلال تقارير وإشارات قوية.

نحن إذن أمام توجه جزائري حقيقي، وبخطوات متعددة، واستفزازات متتالية، ليس آخرها مؤتمر الهزل ومسرحية “مؤتمر الريف” بل سيكون هنالك ما هو اكثر وأكبر، وقد شهدنا تصعيدا غير مسبوق منذ سنوات، وسنشهد أكثر من ذلك سواء بدفع البوليساريو لمزيد من التصعيد ضد المغرب، أو التورط المباشر بافتعال حادث أو أزمة تقوم على إثرها بالفعل المباشر ضد المغرب.

تقول بعض التقارير إن الجزائر كانت بصدد شن حرب على المغرب منذ تأمين المغرب لمعبر الگرگرات، لكن وحسب تلك التقارير فإن الجزائر تراجعت عن ذلك لاطلاعها على معلومات تخص القدرات العسكرية المغربية، والتي من الممكن أن ترجع قطاع الغاز والنفط الجزائري الى ثلاثين أو اربعين سنة للوراء، مما جعلها تعيد ترتيب حساباتها وتتراجع.

في الحقيقة إن هدف حكام المرادية بات واضحا، فليس من شأنها ولا من هدفها الحقيقي تصفية أي استعمار أو نيل حق عادل أو مشروع، بقدر ما تسعى إلى تحقيق وهم الزعامة والسيطرة اقليميا والغريب في الأمر أن هذا المسعى ليس وليد تخطيط استراتيجي يشمل السياسة والاقتصاد والقدرات العسكرية، بقدر ما ينبني على ردود أفعال بدائية لا يمارسها حتى المتطفلون والمبتدؤون في السياسة والحكم، الأمر الذي يجعل كل هذه الأفعال كفقاعات الصابون حتى وإن كبرت تنفجر في الهواء ولا تخلف أثرا يذكر.

 

مقالات ذات صلة