رمال الصحراء تتحرّك تحت العلاقات المغربية الإيرانية
يعودُ الحديث مرّة أخرى عن تطبيع العلاقات بين المملكة المغربية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، وذلك بعد قطيعة بين البلدين دامت لسنوات، بسبب ما اعتبرته الرباط دعم طهران لعناصر البوليساريو الانفصالية وتدريبها عسكريًا لزعزعة استقرار المغرب.
لذا يمكن القول إنّ العقيدة الديبلوماسية للخارجية المغربية رسمها الملك محمد السادس بوضوح، تتمثّل في منظار الصحراء المغربية الذي ترى به المملكة العالم، وهكذا صار كلّ من يعادي الوحدة الترابية للمغرب أو يقف في المنطقة الرمادية لا مكان له ضمن علاقات الرباط، فأصبحت المراوغة في المواقف تجاه الوحدة الترابية المغربية، لا أساس لها في الدبلوماسية المغربية، ممّا دفع بمجموعة من الدول إلى التفكير بعمقٍ في ما ورد في الخطاب الرسمي المغربي تجاه قضية الصحراء، والسيادة الترابية.
وإن كانت بعض الدول تتخذ مواقف رمادية في قضية الصحراء المغربية، في ما قبل، فإنّها انتقلت إلى منطقة الوضوح، وهذا ما أظهرته الانتصارات الدبلوماسية التي حقّقها المغرب في مسار دفاعه عن كامل سيادته على أقاليمه الجنوبية، أهمها الاعتراف الفرنسي بمغربية الصحراء وقبله الاعتراف الأميركي، إضافة إلى دول كبرى أخرى كفرنسا وإسبانيا وألمانيا وغيرها من الدول، ممّا جعله يربح نقاطاً عديدة في مواجهة خصوم وحدته الترابية، وبفضل سياسة المملكة المبنية على الوضوح والمصداقية وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى.
إضافة إلى التغيّرات المتسارعة في الشرق الأوسط، وعودة ترامب إلى البيت الأبيض وعلاقاته الجيدة مع العاصمة الرباط، مقابل ضعف الجارة الجزائر، وتآكل أطروحتها وتخبّط نظامها العسكري، والذي ما زال يعيش في عالم آخر ويردّد أسطوانات عفا عليها الزمن، دفعت إيران إلى التودّد إلى المغرب، بحثًا عن شريك موثوق فيه، خارج رقعة الشرق الأوسط الملتهبة.
تعي إيران جيّدًا أنّ المغرب صار رقمًا إقليميًا ودوليًا صعبًا، بفضل استقراره وأمنه، وموقعه وسياسته الخارجية المتسمة بالهدوء والحكمة ورباطة الجأش، والمبنية على الشراكات (رابح – رابح)، وارتباطه الوثيق بعمقه الأفريقي.
وفي هذا الصدد يقول وزير الخارجية الإيراني الأسبق محمد جواد ظريف، والذي وصفته مجلة فوربس بكونه واحدا من “عباقرة التفاوض في العالم”. في الديبلوماسية يجب أن تكون واقعيًا، وهذا ما ذهبت إليه الجمهورية الإيرانية في علاقتها بالمملكة، من خلال العمل بواقعية وبراغماتية، والترحيب بإعادة قنوات التواصل مع الرباط.
تفهم إيران جيّدًا شروط الرباط، وتودّدها لإعادة العلاقات بين البلدين فرضته التحولات الجيواستراتيجية في الشرق الأوسط، وربّما تبعث من خلال خطوتها إشارات إيجابية إلى الرباط، فالدول تتحرّك وفق مصالحها الخارجية بواقعية وبراغماتية، والجمهورية الإسلامية تهدف من خلال تحرّكاتها إلى تصحيح مسار علاقتها مع المغرب.
أولى الإشارات الإيجابية تلك التي بعث بها الرئيس الإيراني الجديد، مسعود بزشكيان، في سعيه لتطبيع علاقات بلاده مع المغرب، تتمثل بإعفاء الملحق الثقافي الإيراني السابق بالجزائر أمير موسوي من مهامه، بعد استقباله مندوبين من البوليساريو.
كما أنّ التقارب الايراني السعودي يُعتبر عاملًا إيجابيًا قد يسرّع من عودة العلاقات بين الرباط والطهران، خاصة وأنّ الرياض تربطها علاقات استراتيجية بالمملكة المغربية، وشراكات كبرى، وتتخذ مواقف واضحة وحازمة وداعمة للقضايا الكبرى للمغرب، أبرزها قضية وحدته الترابية وسيادته على أراضيه.
كما أنّ الجمهورية الإسلامية ربما توقفت عن الرهان على الجزائر، وهو الأمر الذي دفع طهران إلى تغيير استراتيجيتها من خلال التقرّب من المغرب، هذا الأخير يضع شرطًا واحدًا وواضحًا يتمثّل في التخلّي عن دعم جبهة البوليساريو والاعتراف بمغربية الصحراء.
وبناء على ما سبق، هل تتحرّك رمال الصحراء تحت علاقات البلدين، وتعيد الدفء إلى علاقة طهران بالرباط؟
حسن قديم
مدير نشر موقع الميدان بريس