الدكتور أوخليفا يكتب.. النخب في الصحراء واشكالية الاندماج التنموي والاقتصادي والسياسي

تتطلب الدينامية الدبلوماسية التي تقودها المملكة المغربية لحل قضية صحرائها جهودا متكاملة ومتناغمة من جميع الأطراف، بما في ذلك النخب في الأقاليم الجنوبية. حيث تعتبر مشاركتها ضرورية، ليس فقط لتعزيز الملف الوطني على الساحة الدولية، بل أيضا للتأكيد على الإرادة الشعبية لسكان الأقاليم الجنوبية في الدفاع عن وحدة المغرب وسيادته. ومع ذلك، فإن قدرة النخب على التكيف مع التحولات الدبلوماسية وتفعيل دورها بشكل مؤثر تتوقف على جملة من العوامل المحورية.

التمثيلية السياسية والقرارات المصيرية:

إن النخب في الصحراء المغربية مطالبة بالتمثيل الحقيقي للساكنة، وذلك حتى تكون قادرة على اتخاذ القرارات السليمة والمعبرة عن إرادة الشعب المغربي وتوجيهها بما يصب في مصلحة المنطقة ويدعم قضيتنا الوطنية. فالتمثيلية الفعالة تعني الارتباط المباشر بقضايا الساكنة والتعبير عن آرائهم وطموحاتهم، وهو ما يمنح هذه النخب شرعية أكبر على الصعيدين الوطني والدولي. وكذلك، يتطلب الأمر استقلالية نسبية في اتخاذ القرارات المحلية التي تنسجم مع التوجهات الكبرى للمملكة وتدعم الدينامية الدبلوماسية عبر تفعيل الآليات التشاركية مع مختلف الفاعلين المحليين وإشراكهم في القرار والارتباط الوثيق بالمجال، إذ لم يعد مقبولا انفصال المنتخب والنخب عن المجال الترابي بالشكل الذي بات يؤثر سلبيا على علاقتهم بالساكنة، فالأصل هو تدعيم الموقف الوطني بكفاءات ونخب سياسية تستمد مشروعيتها من الأرض ومشاربها من الاعتقاد الراسخ والإيمان المطلق بعدالة القضية الوطنية، وليس الموقف هنا حصرا على الانتماء الجغرافي فقط بل لابد أن نتجاوز الأسلوب التقليدي المرتبط بالنخب من هذا المنطلق لنتعداه إلى التجويد والتطوير بتعزيز آليات الدبلوماسية المتقدمة وتكوين الأطر والكفاءات القادرة على دحض الأطروحات الزائفة لخصوم الوحدة الترابية كما ورد في توجيهات جلالة الملك في خطابه الأخير أمام البرلمان.

الكفاءة السياسية والمعرفة الدبلوماسية:

إن مواكبة الدينامية الدبلوماسية تتطلب من النخب المحلية امتلاك المعرفة التاريخية والسياسية الدقيقة حول ملف الصحراء المغربية، وفهم الأبعاد الدولية والإقليمية المرتبطة به. وعلى هذه النخب أن تكون قادرة على توجيه خطاب مؤثر يعكس رؤية المغرب واستراتيجيته تجاه القضية، وذلك عبر امتلاك المهارات السياسية وطرق التواصل الحديث الذي يناسب الساحة الدولية المعقدة، فاستثمار المعرفة يشكل نقطة التحول في مسار القضية الوطنية وإبراز مكانة النخب في المحافل الدولية يتم وفق آلية الإقناع والترافع بالأدوات الدبلوماسية المتقدمة والتي يجمع فيها بين التمثيلية السياسية والمرجعية التاريخية والارتباط الروحي والانتماء الوطني والحقائق القانونية لتثبيت المواقف وكسب الدعم الدولي والمصداقية في الدفاع عن السيادة الوطنية.

التنمية المحلية كأداة دبلوماسية:

تعتبر التنمية المستدامة في الصحراء المغربية هدفا محليا ووطنيا يرتكز في بعده الشمولي على النهوض بالأقاليم الجنوبية وفق استراتيجية وطنية ورؤية ملكية متبصرة، وهي أيضا ورقة دبلوماسية تعزز من موقف المملكة دوليا. فالنخب قادرة على دعم الدينامية الدبلوماسية عبر توجيه جهودها نحو تحقيق تنمية شاملة، تؤكد للعالم نجاح المغرب في النهوض بالمناطق الجنوبية، وبالتالي يقوي الحجج التي تدعم شرعيته على أرضه. فكلما ازدادت المشاريع التنموية الناجحة، ازدادت قوة موقف المغرب في الأوساط الدولية، ولذلك تتحدد أدوار النخب في دعم هذه الجهود بإنجاح البرامج التنموية والقدرة على الإبداع والاقتراح وجلب الاستثمارات وتنزيل الاستراتيجيات الوطنية والسياسات العمومية على المستوى الترابي

التواصل الخارجي والترويج للإنجازات:

يعتبر التواصل مع الجهات الدولية والمشاركة في المحافل الدولية من أهم الأدوات الدبلوماسية في العصر الحالي. النخب ذفي الصحراء المغربية لديها فرصة كبيرة للتأثير عبر إبراز الإنجازات التنموية التي حققها المغرب في صحرائه، والدفاع عن السيادة المغربية بطرق دبلوماسية حديثة تتناسب مع متطلبات العصر. كما يمكن لهذه النخب أن تسهم بشكل كبير في توضيح الحقائق وفضح الادعاءات المناوئة من خلال التواصل الإعلامي الدولي ومشاركة المعلومات بشكل شفاف ودقيق، بالإضافة إلى التنسيق الوثيق بين النخب المحلية والأجهزة الدبلوماسية الرسمية والذي يعتبر عاملا أساسيا لتحقيق نجاح الاستراتيجيات الدبلوماسية. ومن هذا المنطلق يتوجب على النخب أن تتماشى مع الخطاب الرسمي، وتتبع توجهات المملكة لتكون أداة فعالة ومؤثرة، مما يعزز موقف المغرب ويوحد الجهود المبذولة في مواجهة التحديات الخارجية. هذه الوحدة في الخطاب ستسهم في بناء صورة متماسكة عن الموقف المغربي، وتمنح الدبلوماسية المغربية قوة إضافية على الساحة الدولية.

فالنخب في الصحراء المغربية أمامها فرصة حقيقية لتكون جزءا فعالا من الدينامية الدبلوماسية التي يقودها المغرب من خلال التركيز على التمثيلية الحقيقية للسكان، والتطوير المستمر لمهاراتها الدبلوماسية والسياسية، ودعم التنمية المحلية، والتواصل الخارجي، والتنسيق المتواصل مع الدبلوماسية الرسمية.

وكل هذا لن يتحقق إلا بالقطع مع الممارسات التي أشار إليها الدكتور عبد الرحيم بوعيدة وهو من النخب المهمة ذات كفاءة علية في الصحراء المغربية حيث أشار في مقال له، نشره موقع “الميدان بريس” إلى مفهوم النخب الصامتة حيث قال: ” … في الصحراء نخب صامتة ليس لأنها غير معنية أو مهتمة، بل لأنها بكل صراحة مهمشة مركونة على الرف تراقب مشهداً اغتنت منه فئة قليلة سيطرت على مقدرات المنطقة سياسيا اقتصاديا وخلقت نخبة أخرى تدور في فلكها.. ملف الصحراء الآن يحتاج لشرايين جديدة تقرأ النزاع بعيون أخرى، ترى فقط مصلحة الوطن لا مصالح أخرى.. نخب مؤمنة بالمغرب بكل أعطابه وإخفاقاته بمميزاته أيضاً التي لايعرفها إلا من أحب المغرب كما هو دون أن يعتبره مجرد آلة حاسبة او صالة للترنزيت... مطلوب منا الآن أن نعترف بأن هناك أخطاء وبأن الخطاب جاء للقطع معها، وبأن نفس المقاربة التي كانت لم تعد مجدية في التعاطي مع الملف الذي أراد له “دي ميستورا” أن يقسم المنظقة...”

الدكتور منير اوخليفا

أستاذ باحث في القانون بالكلية متعددة التخصصات بتازة

محكم مصرح به لدى محكمة الاستئناف بتازة

عضو مؤسس لمركز الدراسات القانونية والقضائية والاجتماعية

مدير مجلة افربواطو للدراسات والأبحاث في قوانين الأعمال والاستثمار

مقالات ذات صلة