هل يمكن أن تتحول الدار البيضاء إلى إقامة “شبه دائمة” للملك محمد السادس؟

هل يمكن أن تتحول الدار البيضاء إلى إقامة “شبه دائمة” للملك محمد السادس؟
شخصيا ليس لي أي جواب..
لكن ما هو مؤكد اليوم هو أن جلالته حفظه الله قضى، بيننا هنا بهذه المدينة العملاقة إلى حد الآن، قرابة ثلاثة أشهر..
وما هو مؤكد اليوم أيضا هو أن جلالته يولي عناية خاصة بالدار البيضاء وبمشاريعها حتى أنه خصص لها خطابا فيه “تقريع” مباشر وصريح لمسؤولي هذه المدينة أجمعين..
كما أن ما هو مؤكد اليوم أيضا هو أن الدار البيضاء، مع هذه العناية الملكية الخاصة ومع وال جديد وربما “جدي” أيضا ومع غياب أو تراجع الفاعل “الإسلامي”، لن تعود ربما إلى الوراء..
“إنها دار بيضاء أخرى”، بتعبير الوالي نفسه، كما راج في بعض الكواليس..
وأنا لا أنثر هنا ورودا على أحد لأن الكمال لله وحده..
وأيضا لأن هناك أشواطا كثيرة لا زالت في “قاعة الانتظار” أو لا زالت لم تقطع بعد..
لكن الأمور بأضدادها تعرف كما يقال..
وطبعا الكل يعرف اليوم كم أهدرنا من الزمن كان ينبغي أن يستغل في تنمية المدينة وفي تأهيل المدينة..
وهذا الهدر الزمني، الذي أضر كثيرا بالمدينة، كان مع ولاة سابقين وكان مع “منتخبين” جيء بهم إلى السياسة بدون ماض سياسي وجيء بهم إلى مواقع المسؤولية في سياقات ملتبسة وبلا تجربة..
بل إن التاريخ لا يذكر ربما للعديد من المسؤولين، الذين مروا بهذه المدينة، في سجل الإنجازات، أي شيء..
وربما يمكن القول أيضا إن البعض من هؤلاء المسؤولين لا تذكر أسماؤهم إلا مربوطة بكارثة أو بمصيبة أو بما هو سلبي بالتحديد..
كما أن الكل يعرف أيضا كيف ظلت الدار البيضاء رهينة بيد “شبكة مافيوزية” زاوجت بين تدبير الشأن المحلي وربما بين ممارسة جميع أنواع “الإجرام”..
المثير في هذا كله هو أننا لم ننتبه إلى هذا “الانفلات” الشامل إلا بعد مرور قرابة ربع قرن من الزمن وبعد “خراب” المدينة نفسها أيضا..
و”الخراب” هو أننا استيقظنا ذات صباح على أخطر مافيا بامتداد إقليمي ودولي لم تكتف فقط بالاتجار الدولي في المخدرات وبمراكمة الثروات الغامضة..
بل إن هذه الشبكة سطت ربما حتى على مراكز التسيير وعلى مراكز القرار بالدار البيضاء إلى حد أنها أصبحت تفصل كل شيء بالمدينة على مقاسها وعلى مقاس مصالحها الضيقة..
أكثر من هذا، لقد سمعنا أيضا أن موظفين “تقاعدوا” من بعض المحافظات العقارية ثم اشتغلوا مع هذه الشبكة في أعمال النصب والاحتيال والسطو على الأراضي السائبة المملوكة للدولة..
وكم واهم من يعتقد أن هذه الشبكة لم يعد لها وجود فقط لأنه تم الزج برؤوسها في السجن..
أبدًا..
والواقع أن هذه الشبكة، التي راكمت نفوذا ممتدا في كل اتجاه، لازالت تصول وتجول في أرجاء ومفاصل المدينة..
ولا زالت تتطاول على بسطاء الناس بفيلاتها الفسيحة وبسياراتها الفاخرة وبأراضيها “الموروثة” غصبا من بعض التأمينات التي أرسلت أصحابها إلى السجن..
كما لا زالت عناصر هذه الشبكة وبقاياها تتصدر واجهة المسؤوليات الحزبية والانتدابية محليا ووطنيا كما لو أن لا شيء وقع في ملك الله..
وربما هذه مناسبة لأقول أيضا إن هناك اليوم ملفا في طريقه إلى مكتب الوالي فيه أكثر من 100 هكتار من أراضي الدولة وغير الدولة تعرضت إلى السطو من طرف هذه الشبكة “الحاكمة” في أكبر مدينة بالمغرب..
وهذا ربما واحد من العوائق التي “تفرمل” عملية النهوض بالدار البيضاء حتى لا تكون مدينة شبيهة بالمدن العالمية وقادرة على استقطاب رؤوس الأموال وعلى استقطاب المستثمرين وقادرة على خلق فرص الشغل لشبابها وشاباتها..
ومع ذلك، دعونا ننظر إلى نصف الكأس المملوء لنقول أيضا إنه لأول مرة أصبح للدار البيضاء وال لا يشبه ربما كل الولاة السابقين الذين تعاقبوا على إدارة هذه المدينة دون أن يتركوا خلفهم أي بصمة واحدة تدل على آثارهم وعلى مرورهم..
وربما لا أبالغ إذا قلت إن ما أنجز، في هذه الفترة القصيرة من سبعة أو ثمانية أشهر مع الوالي الجديد، مهم جدا وربما غير مسبوق..
اللافت أيضا في هذه الإنجازات، التي غيرت ربما بعض الشيء وجه المدينة إلى الأحسن ولو ليس بالشكل المطلوب، هو أن الوالي الجديد لم يأت بميزانيات جديدة أو بمشاريع جديدة..
كل ما فعله الوالي الجديد هو أنه اشتغل على تنزيل ما هو موجود وما هو كائن وما كان مبرمجا من مشاريع ومن ميزانيات في عهد المسوؤلين السابقين للمدينة..
وهذه “الجدية” في الاشتغال هي التي تجعلنا نقول اليوم أيضا وبدون تزلف إن الدار البيضاء أصبح لها اليوم “فريق عمل”..
وهذا ما لم تكن تتوفر عليه المدينة من قبل..
أقول هذا ولو أن بعض المسؤولين من المنتخبين في “فريق العمل” شعروا بألم الظهر ولم يعودوا قادرين على مسايرة هذا الإيقاع المرتفع في الاشتغال وما يتطلبه من اجتماعات كثيرة ومطولة..
كما أن هذه “الجدية” في الاشتغال هي التي جعلت الوالي الجديد يقول لمسؤول في “كازا بريسطاسيون” مثلا وأمام الحاضرين في أحد الاجتماعات:
“أنا معمرني نثيق فيك لأنك كذبتي عليا حتى أنا..”..
ولن أدخل في تفاصيل هذه القصة لأننا نتحدث عن مدينة كبيرة تعاني ربما من نقص مهول في النخب وفي الأطر المؤهلة للتفكير في المستقبل وفي التصاميم المعمارية والعمرانية للأجيال القادمة..
وربما لهذا السبب، يضطر الوالي الجديد أحيانا إلى استشارة عمدات سابقين كلما كانت هناك ضرورة وطالما أن المصلحة العليا للمدينة هي الأهم..
ولا أدري ما إذا كان صحيحا هذا الذي سمعت أيضا في بعض الكواليس؟..
سمعت أن الوالي الجديد لا يستبعد ربما حتى إمكانية أن يقع في الدار البيضاء ما وقع بالحسيمة من إعفاءات ملكية عصفت بالكثير من المسؤولين ومن الوزراء أيضا..
نعم هذا ما لمح إليه الوالي الجديد وربما لمح إلى ما هو أخطر من الإعفاء في أكثر من مناسبة إذا لم يشتغل هذا المسؤول أو ذاك بالجدية اللازمة..
حصل هذا بعد أن اكتشف الوالي الجديد أن ثمة مشاريع ملكية أطلقها ملك البلاد شخصيا منذ 2014 بميزانيات مالية ضخمة لكنها لا زالت لم تر النور إلى حد الآن..
وحصل هذا أيضا دون أن يتم تفعيل المبدأ الدستوري الذي يربط المسؤولية بالمحاسبة..
ولم تقف الأمور عند هذا الحد، ذلك أن الوالي الجديد ذهب أبعد من ذلك وأخذ يسأل في صيغة تحذرية أيضا حتى بعض العمال المعينين بظهائر ملكية عن النسبة المئوية التي قطعتها عملية إنجاز المشاريع المبرمجة في دوائر نفوذهم الترابي..
لكن لماذا أذكر بكل هذا في هذا المقال المتواضع؟
أذكر بكل هذا لأن الدار البيضاء هي أيضا واحدة من أربع أو خمس مدن مغربية مرشحة مستقبلا لاحتضان استحقاقات وتظاهرات رياضية قارية ودولية بينها كأس إفريقيا وكأس العالم..
وهذا معناه أيضا أن هذه المدن الخمس ينبغي أن تنخرط هي بدورها في دينامية التنمية وفي دينامية التأهيل لمرافقها ولبنياتها التحتية لتكون مدنا تنتمي إلى عصرها وتنتمي إلى بلد عريق اسمه المغرب.
وأرى من اللازم علي أن أذكر، من هذه المدن الخمس، مدينة أكادير تحديدا لأن هذه المدينة لا ينبغي أن يظل اسمها مرتبطا فقط ب”بوجلود” أو ببعض السياح الأجانب “المزاليط” والفارين من غلاء المعيشة في أوطانهم..
لا..
مدينة أكادير مدينة سياحية جميلة وينبغي أن تكون في مستوى ذلك الخطاب الملكي الذي وضعها في مكانة خاصة وهي أنها “عاصمة الوسط الحقيقي للبلاد”..
ثم إن أكادير ينبغي أن تكون اليوم أيضا إما مثل الرباط وإما أحسن منها..
لماذا؟
لأن أكادير لها اليوم عمدة غير عادي حتى لا أقول إن لها عمدة يتمتع ب”أقصى السلطة”..
وأتحدث هنا عن السيد عزيز أخنوش الذي يجمع اليوم بين النفوذ المالي وبين عمودية أكادير وبين رئاسة الحكومة وبين رئاسة الحزب وبين الثقة الملكية أيضا..
ثم إن هذه المدينة فيها أيضا وال محترم ولا أحد ربما يشكك في كفاءته وفي خبرته وفي نزاهته..
لكن ما الذي سيمنع والي أكادير، الذي يحظى هو نفسه أيضا بشرف التعيين الملكي، من أن يكون مثل الوالي اليعقوبي في الرباط إذا ما أراد أن يدخل تاريخ هذه المدينة من بابه الواسع؟..
يقينا لا أحد سيمنعه ولا شيء سيمنعه..
ثم إن المناصب إلى زوال.. وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض..
بقي فقط أن أسأل سؤالا حيرني كثيرا:
كيف أجمع مسؤولو الدار البيضاء على قرار تفويض قطاع حساس جدا جدا إلى مسؤول جماعي تطارده اتهامات لها صلة بخروقات تعميرية في منتهى الخطورة حتى أن المعني بالأمر أتلف ممتلكات بقيمة مالية تجاوزت 500 أو 600 مليون سنتيم من المال العام..
بل إن الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، وتحت إشراف النيابة العامة، استمعت ربما إلى صاحب هذه الخروقات التعميرية في ملفات أخرى قد تتجاوز ربما ملفات البرلماني مبديع الموجود حاليا خلف أسوار السجن؟..
مصطفى الفن/ موقع آذار

مقالات ذات صلة