طلوع يكتب… إشراك الشباب يقتضي تجويد آليات التأطير الحزبي والدعم التشريعي
بقلم: الدكتور عبد الإله طلوع – كاتب رأي
لا يمكن لأي مشروع ديمقراطي أن يتقدّم خطوة واحدة دون أن يجعل من الشباب رافعة مركزية للتغيير، هذه ليست جملة إنشائية، بل حقيقة سياسية أثبتتها التجارب المقارنة: لا يمكن بناء دولة قوية بمواطن ضعيف، ولا بناء مستقبل واعد بشباب مُقصى أو مُهمّش أو مُستعمل فقط كديكور انتخابي.
فالسؤال اليوم لم يعد: هل نريد إشراك الشباب؟ بل أصبح: كيف؟ وبأي أدوات؟ وبأي ضمانات؟
إن الإشكال الجوهري الذي يعرقل إشراك الشباب في المغرب ليس في ضعف الحماس ولا في غياب الوعي السياسي، بل في أعطاب البنية الحزبية نفسها وفي محدودية الدعم التشريعي الذي يفترض فيه أن يضمن تمثيلية فعلية لا شكلية. فالمشهد الحزبي – في عمومه – ما زال أسيراً لآليات تقليدية في التأطير، تعتمد منطق الولاءات بدل منطق الكفاءة، وتشتغل بمنظومة تنظيمية لا تمنح الشباب فرصاً حقيقية للصعود ولا أدوات مهنية لصناعة القرار.
الأحزاب كثيراً ما تتحدث عن “فتح الباب أمام الشباب”، لكن الواقع يكشف أن الباب مفتوح من الخارج ومغلق من الداخل. تُنشئ منظمات موازية للشباب، لكنها في الغالب مجرد فضاءات للاستهلاك السياسي: تكوينات سريعة، أنشطة مناسباتية، خرجات إعلامية… بينما الجوهر – أي صناعة القادة الشباب – يبقى غائباً. الشباب يحتاج إلى مدرسة حزبية، لا إلى واجهة تنظيمية؛ يحتاج إلى فضاء يطور مهاراته في النقاش، والتفاوض، وقيادة المبادرات، وليس فقط فضاء لرفع الشعارات.
وليس المشكل في الحزب وحده؛ فالإطار التشريعي نفسه ما زال متواضعاً في دعم مشاركة الشباب، صحيح أن هناك تمثيلية في اللوائح الجهوية أو الوطنية، لكنّها تمثيلية محكومة بسقف انتظارات محدود، وفي كثير من الأحيان يتم ملؤها بأسماء تُختار وفق مقاييس حزبية أكثر منها معايير الكفاءة والقيادة. نحن بحاجة إلى دعم تشريعي يفرض آليات صارمة لاختيار الشباب، ويضمن لهم حضوراً فعلياً داخل المؤسسات المنتخبة، ويجعل تمثيليتهم جزءاً من دينامية التجديد السياسي وليس مجرد “حصة رمزية”.
وحتى حين يحصل بعض الشباب على مواقع داخل المؤسسات، يجدون أنفسهم في فضاء سياسي يتعامل معهم كـ “ملحقين”، لا كفاعلين، يُقصَوْن من النقاشات الكبرى، ولا يُشركون في صناعة الرؤية، ويُنتظر منهم القيام بأدوار ثانوية.
إنها بنية سياسية ما زالت تخشى المبادرة، وتخاف من الجرأة، وتُفضّل استنساخ النماذج القديمة بدل صناعة جيل جديد.
لكن الحقيقة التي لا يجب إغفالها هي أنّ الشباب أنفسهم يتحملون جزءاً من المسؤولية، فجزء كبير منهم انسحب من السياسة لأنّه لم يجد فيها معنى، واكتفى بالتعبير عن مواقفه في الفضاء الرقمي، دون أن يترجم ذلك إلى فعل جماعي منظّم.
فالمشاركة السياسية تحتاج إلى صبر، وتنظيم، وإصرار، وهذه القيم لا يمكن أن تُكتسب خارج الفضاءات الحزبية والنقابية والمدنية، لذلك يبقى السؤال مطروحاً: هل يريد الشباب فعلاً لعب دور قيادي، أم يريدون فقط نقد المشهد من بعيد؟
إن تجويد آليات التأطير الحزبي يبدأ بتغيير الثقافة التنظيمية:
– الانتقال من حزب انتخابي إلى حزب مدرسة.
– من منطق الزعيم الأبدي إلى منطق التداول على القيادة.
– من صناعة التوافقات الضيقة إلى صناعة برامج ورؤى واقعية.
– من استعمال الشباب كوقود انتخابي إلى تمكينهم كقادة حقيقيين.
أما على المستوى التشريعي، فالمطلوب هو رفع سقف الجرأة:
– تقوية الدعم العمومي الموجّه للتكوين السياسي للشباب.
– تمكينهم من الترشح في كل المستويات دون قيود تعجيزية.
– توسيع آليات المناصفة الجيلية داخل المؤسسات المنتخبة.
– ربط أي دعم حزبي بمدى نجاح الأحزاب في إدماج الشباب داخل هياكلها.
المعادلة واضحة: لا ديمقراطية قوية بدون شباب قوي. ولا مستقبل سياسياً للمغرب دون إعادة بناء جسور الثقة بين الشباب ومؤسساته السياسية، والأهم من ذلك أنّ إصلاح الأحزاب والتشريعات ليس ترفاً، بل شرطاً لبقاء السياسة ذات معنى.
لقد آن الأوان لوضع حد لخطاب “نثق في الشباب” دون فعل يُترجم هذه الثقة. المطلوب اليوم هو إصلاح عميق، بنيوي، يضع الشباب في قلب المشروع الديمقراطي لا في هامشه.
فجيل اليوم، بكل طاقاته المعرفية والرقمية، قادر على إعادة تشكيل السياسة، شرط أن يجد فضاءً سياسياً يؤمن به ويحترم ذكاءه ويمنحه فرصة حقيقية للمساهمة.
وحتى تتحقق هذه اللحظة، سيظل السؤال معلقاً: هل نريد فعلاً إشراك الشباب، أم نكتفي بالحديث عنهم في الخطب؟
الجواب لا يمكن أن يُكتب بالكلمات، بل بأفعال تُنجز على الأرض… وبشباب يجد في السياسة مستقبله، لا مجرد منصّة صورية لالتقاط الصور.



