آن للتفاهة أن تخرس وآن للضمير أن يصدح

في زمن تُغذّي فيه بعض المنابر الإعلامية الشائعات وتُتاجر في الأعراض، يُصبح الصمت تواطؤاً والإكتفاء بالتفرج جريمة .
آن الأوان أن تصدح الحناجر وتعلى الأصوات بكفى من التفاهة، كفى من العبث بعقول الناس، كفى من إعلام لا همَّ له سوى الاصطياد في المياه العكرة، وتحويل النقاش العمومي إلى مسرح من السخرية والابتذال. هذا انحراف عن جوهر الرسالة الإعلامية التي كان يفترض بها أن تنير العقول، وتزرع الوعي، وتُسهم في بناء مجتمعٍ متماسك يعرف أولوياته ويواجه تحدياته بثبات ومسؤولية.

لقد اختارت بعض المنصات أن تتنفس الإساءة بدل الإبداع، وأن تقتات على النميمة بدل التحليل. والمؤسف أن هذا الانحدار يُموَّل في كثير من الأحيان من أموال دافعي الضرائب، في حين ينتظر المواطن خدمة إعلامية عمومية تُرقّي النقاش وتمارس حقها في النقد دون الانزلاق إلى الوحل. هناك فرقٌ شاسع بين حرية التعبير وثقافة التشهير، بين النقد المسؤول وبين تدمير صورة الأشخاص والمؤسسات لتغذية نسب المشاهدة.

إن الصراع الدائر اليوم ليس بين حزب الحركة الشعبية في شخص أمينه العام ومناضليه مع منبر إعلامي كما يحاول البعض تبسيطه. المسألة أعمق بكثير: إنها مواجهة بين مشروعٍ للتغيير وبين من يسعى لجرّ هذا الوطن إلى مزيد من الانحدار. هي معركة بين من يؤمن بأن الإعلام وسيلة للنهوض الفكري والاجتماعي، وبين من يرى فيه أداة لتكريس البؤس والانقسام. بين من ينحاز إلى القيم والمصلحة الوطنية، ومن يحتمي وراء الإثارة الرخيصة والمصالح الضيقة.

نحن اليوم أمام منعطف تاريخي، اختبار حقيقي لضمير الأمة. إما أن ننتصر للوعي والرقي والحق في إعلامٍ مسؤول يعبّر عن تطلعات المغاربة، وإما أن نستسلم لعبثٍ يحوّل الفضاء العمومي إلى سوقٍ للفوضى والابتذال. المعركة في جوهرها أخلاقية، تتعلق بمستقبل المغاربة وبصورة دولتهم – ETAT-NATION– ككيانٍ حضاري قادر على حماية نفسه من السقوط في مستنقع التفاهة.

آن للتفاهة أن تخرس، وآن للأصوات الحرة أن تعلو دفاعاً عن الحق والكرامة والوعي.

الإعلام ليس سلعة، بل أمانة.
ومن خان الأمانة،
فقد خان الوطن.

ذ. أمين الزيتي
الكاتب العام للشبيبة الحركية

مقالات ذات صلة