درويش يكتب: لا يا علي.. التصدي لـ “منظومة الابتدال والتضليل والابتزاز والتفاهة” ليست معركة أوزين لوحده!
لا يا علي، التصدي ل “منظومة الابتدال والتضليل والابتزاز والتفاهة” ليست معركة أوزين لوحده !
في ساحة النقاش الرائج حاليا حول ممكنات الإصلاح والنهوض بالمشهد الإعلامي الوطني، والذي تدور في خضمه حرب ضروس بين طوائف متناحرة من الصحفيين والسياسيين والنقابيين والحقوقيين ..، يصر بعض ممن يخوضون في هذا النقاش على الوقوف في منزلة الأعراف، وهو سور مرتفع بين الجنة والنار يقف عليه قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم، فلا يدخلون الجنة ولا النار حتى يقضي الله فيهم أمره.
صباح هذا اليوم، قرأت تدوينة للصحفي علي أنوزلا خصص جزءا من مضمونها للحديث عن مصادقة لجنة التعليم والشؤون الثقافية والاجتماعية بمجلس المستشارين، يوم أمس، على مشروع القانون 026.25 المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة.
لا أعرف خلفية إصرار الصحفي علي أنوزلا في تدويناته ومقالاته على تحميل السياسيين، وحدهم، وزر الأوضاع المتردية التي يعيشها قطاع الصحافة والنشر ببلادنا، وهو يعلم جيدا أن المشرع عندما أقر إحداث هذا المجلس فقد كان ذلك بهدف إرساء هيئة مستقلة ذاتية التنظيم لقطاع الصحافة والنشر، تكون بعيدة ما أمكن عن وصاية الجهاز التنفيذي وقريبة ما أمكن من فضاء الحرية والديمقراطية والتعددية.
كما لم أفهم جيدآ إصراره على الحديث عن “تمرير” هذا المشروع في اللجنة السالف ذكرها والجميع يعلم أن هذه الأخيرة قامت بعمل إشعاعي تشاركي وتشريعي مهم في هذا الصدد. فاللجنة نظمت يوم 13 أكتوبر بمقر المجلس لقاءا دراسيا ألقيت فيه كلمة تأطيرية هامة لرئيس المجلس، كما ألقى فيه وزير الشباب والثقافة والتواصل كلمة لا تقل أهمية، وشارك فيه العديد من الصحفيين والخبراء والمهتمين بمداخلات غنية. وعندما عرض المشروع على اللجنة، تمت دراسته وفق مستلزمات المسطرة التشريعية وتمت مناقشته بما يناسب من الجدية والمسؤولية وقدمت في شأنه مختلف الفرق والمجموعات 139 مقترح تعديل قبل أن يتم التصويت على المشروع كما أحيل على مجلس المستشارين من مجلس النواب وفق المنهجية الديمقراطية. فأين ياترى تتجلى مظاهر “التمرير” التي تحدث عنها الصحفي علي أنوزلا في هذا الامر؟
ما استرعى انتباهي أكثر في موضوع تدوينات الصحفي علي أنوزلا وهو يتحدث عن ما أسماه “منظومة الابتدال والتضليل والابتزاز والتفاهة”، هو إصراره غير المبرر في إقحام محمد أوزين، الأمين العام لحزب الحركة الشعبية، وإقحام الفريق الحركي بمجلس المستشارين، في موضوع ما اعتبره “تمرير” اللجنة لمشروع القانون المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة، وهو يعلم جيدآ أن تمثيلية الفرق في اللجان الدائمة تكون بالنسبية وفقا للنظام الداخلي للمجلس، وأن الفريق الحركي يمثله في اللجنة عضوان فقط، وأن رئاسة اللجنة أسندت لممثل الفريق الحركي عبد الرحمان الإدريسي طبقا لحقوق المعارضة المنصوص عليها في الفصل العاشر من الدستور، وأن مساهمة الفريق المذكور في تدارس المشروع كانت مساهمة جدية ومسؤولة كما مساهمات باقي الفرق والمجموعات، وهذا الأمر وقف عليه العديد من الصحفيين من زملاء وزميلات الصحفي علي أنوزلا الذين يتابعون أشغال المؤسسة التشريعية.
وفي هذا الإطار، فالفريق الحركي ساهم مساهمة فعالة، كباقي الفرق والمجموعات، من خلال تقديمه ل 64 مقترح تعديل على النص والتي تم تقديمها في اللجنة، وتمسك الفريق المذكور بتقديمها أيضآ في الجلسة العامة التي سيتم فيها عرض المشروع على المصادقة النهائية.
وبناءا عليه، فمجلس المستشارين قام بمهامه في موضوع هذا المشروع على الوجه المطلوب، طبقا لاختصاصاته وصلاحياته الدستورية المفصلة في نظامه الداخلي، بحيث أعطيت للحكومة حقوقها في عرض المشروع، ونظم المجلس يوما إشعاعيا في إطار الديمقراطية التشاركية، وتداول أعضاء المجلس في المشروع داخل اللجنة الدائمة المختصة، وتم التصويت وفق المواصفات الديمقراطية، ورفع المشروع إلى الجلسة العامة للبث والمصادقة.
فكيف، والحالة هذه، يستقيم أن يبخس الناس أعمالهم، حكومة وبرلمانا، أغلبية ومعارضة، ويتم الحديث هكذا عن “تمرير” للمشروع ؟
وعودة لمحمد أوزين، الأمين العام لحزب الحركة الشعبية، والذي يخوض منذ أيام مافتىء يقول عنها أنها معركة تصبو ل “التصدي لمظاهر التفاهة والابتزاز” التي تمارسها بعض المواقع الإعلامية ببلادنا، فلا حاجة للقول أن غالبية المواطنات والمواطنين اليوم قد ضاقوا فعلا درعا بهذه الممارسات المشينة التي تضرب في الصميم أخلاقيات مهنة الصحافة والنشر، ولاسيما في المجال الرقمي حيث انتشرت في السنوات الأخيرة جرائم فضيعة تتعلق بالتشهير والابتزاز والمس بالكرامة والتحريض على الكراهية والتمييز.
وبكل صراحة وصدق، وبعيدا عن أي تأويلات أو حسابات، فالمعركة التي يخوضها محمد أوزين ضد هذه الممارسات المشينة لقد لقيت فعلا تفاعلا وتعاطفا ودعما من شرائح واسعة من المجتمع المغربي، ولأجل ذلك فإننا نرى أنه لا يجب أن يبقى محمد أوزين، ومعه حزبه الحركة الشعبية، وحيدين في هذه المعركة التي تستحق أن تكون بداية لتنقية الأجواء السياسية والحقوقية والإعلامية في مغرب ما بعد 31 أكتوبر.
إن تطوير الإطار القانوني المنظم للمجلس الوطني للصحافة لا يمكن أن يتم فصله عن الإصلاح الحقيقي والشامل لقطاع الإعلام والاتصال في بلادنا، على اعتبار أن هذا المجلس هو لبنة من لبنات أخرى لإرساء دولة القانون والمؤسسات، ويجب أن يندرج إصلاحه في إطار تأهيل شامل للمشهد السياسي والإعلامي والحقوقي ببلادنا.
عبد الواحد درويش
رئيس مؤسسة درعة تافيلالت للعيش المشترك



